لماّ كتبت في هذه الزاوية، أكثر من مرة، منتقداً أسلوب بعض المذيعين، كانت أغلب ردود القراء، تسأل سؤالاً واحداً مشروعاً: من البديل؟ وكي لا أكون ممن يبيعون الكلام في الجرائد، أقول لهم ببساطة لا تحتاج إلى سرعة بديهة، البديل هو علي العلياني. أطرح اسم علي العلياني، لأنني لا أبيع جواهر داخل أسماك، ولأنني أعرف ما أكتب جيداً، مثلما أعرف جيداً، البون الشاسع، بين العلياني وبين أغلب المذيعين، فهم على النقيض منه، من حيث المهنية والتعاطي مع القضايا المطروحة، هم في خانة السالب، وهو في خانة الموجب. الفرق بين العلياني وبين أولئك المذيعين، أن العلياني يملأ الأستوديو بالأفعال لا بالأقوال، بينما هم يملؤون الأستوديو بالأقوال لا بالأفعال، والفرق كبير بين من يفعل ومن يتكلم. تابعوا ما يقدمه علي العلياني، في برنامجه (يا هلا)، وحجم القضايا الإنسانية، والإدارية، والوزارية، والمجتمعية، بل وحتى الفكرية، ثم اقلبوا القناة على عشرات المذيعين سواه، وقيسوا بعقولكم. الذين يقولون، إن دور المذيع، أي مذيع، هو كشف المشاكل وليس حلها، هم كمن يبيع الماء في حارة (السقايين)، لأننا نعرف أن دور الإعلامي، صحيح هو كشف المستور، ولكن كل المستور وليس بعضه، كما تفعل انتقائية أغلب المذيعين، بين ما يريدون إظهاره وطرحه، وبين ما يخفون، وبين ما يجاملون فيه. جدية العلياني في برنامجه، واتزانه، وعمق طرحه، ومتابعته للمشاكل التي يطرحها، حتى تُحلّ، واحترامه لعقول مشاهديه فيما يطرح، لا أن يأخذهم بالتعبير العامي (طقطقة حكي)، وتعامله الصارم والعادل مع المسؤولين الذين يتداخلون في برنامجه؛ هي عكس ما يفعله أغلب المذيعين في برامجهم التي لا تحل ولا تربط. فرق بين مذيع يُصغي بكلتا أذنيه للمتداخلين، ويؤمن بحريّة التعبير فعلاً لا قولاً، وبين مذيع يصغي بنصف أذن، وينتقي ما يعجبه ويرفض ما لا يعجبه، ويُظهر ما لا يشكل خطاً أحمر، ويخفي ما مرّ الخط الأحمر بجانبه. هذا هو الفرق بين الموجب العلياني، والسالب المنتشر، في أغلب خانات مذيعين كُثر، وهذا ما ميّز علي العلياني عنهم، وما أبعدهم حتى عن محاولة مقارنتهم بجرأته، وعمق طرحه، وملامسته للهم الحقيقي للناس، وقضاياهم ويومياتهم البائسة. ما لكم كيف تحكمون.