كان في نفس والديه قبسا من روحهما ، لم ينفك عنهما. وكان لوجوده معنى ، ودلالة، ومساحة ، ازدانت به الدنيا ، وأضاف للحياة رصيدا متجددا ، وجهدا مقدرا ، قبل أن تخطفه يد المنون على حين غرة إلى رحلته الأبدية ، ففقداه والداه وهو في أبهج سنوات حضوره الإنساني ، وعطائه الإبداعي بدون ضجيج ، ولا مقدمات ، إلا أن كل شيء قد انتهى. بالأمس ، غيّب الموت الشاب (أسامة بن محمد الزهراني) ، وشاء الله أن يحمله إلى دار باقية ، وكأن غدا أصبح قدراً كونياً ، حين استقبل عاماً جديداً لم يمهله طويلا ، وانطفأ نوره الذي شعّ له أركان منزل والديه ؛ ليصبح حزن من حوله عليه كبيرا ، بعد أن ودعوه بدموع الحزن المنهمرة ، والمختلطة بدموع الذكرى ، فبدّد ليلهم ، وكأنه ليل سرمدي ، نجومه لا تختفي -أبداً-. إنها صدمة الرحيل المفاجئ في رحلة الحياة ، حين تبدأ بمولود بدأ رحلته ، ومتوفى دخل حياة برزخ ، فنأمل منها الكثير ، وعلما بتحقيق المستحيل. عندها -فقط- سنكتشف كم نحب من يغادرنا فجأة ؛ ليتجدد الشعور بالأسى ، ويزداد الإحساس بالمرارة ، وتثير لواعج القلب ، ويترسب طعم الموت طويلا في قاع النفس. حين تنحى كلماتي منحى كلاسيكيا في الرثاء، فلن نستطيع -أبدا- أن نعوض ذكرى رحيل شاب في مقتبل عمره ، فقلبا والديه ، سيتفطران على فراقه ، وسيتحسران على فقده ، كيف لا؟ ، وأعين من حوله ترنو ، وتهفو إليه ، وقلوبهم تخفق ، وتحن لرؤاه ؛ لكنها قلوب من احتواها الرضا بقضاء الله، وقدره ، بأن ما أصابهم لم يكن ليخطئهم ، وما أخطأهم لم يكن ليصيبهم. ثق يا أسامة ، بأننا سنتمناك بيننا ، ولكن لن يُستجاب لنا ، فأسلوب التمني لا يستجيب لطلبنا ، إلا أنك تركت لنا ذكرا عزيزا ، وسيرة عطرة ، سنظل نذكرها ما حيينا ، وستبقى بيننا بأنفاسك ، وعفويتك ، وشخصيتك الرائعة -حية نابضة- لسنوات طويلة. أيها الشاب الرقيق ، لك منا كل ود ، ودفء قلب ، ودعاء يشق عباب السماء ، بأن يعصم الله قلبي والديك ، وذويك لفراقك بالإيمان ، وأن يتغمدك بواسع رحمته ، وأن يجمعك بمن تحب في دار كرامته.