شعور لذيذ أن تجد نفسك شخصية في رواية، أن تجد اسمك وملامحك تفوح من سطور عمل أدبي ما، واللذة تزداد إذا صادفت نفسك في رواية مميزة وفائزة بجائزة الشارقة كرواية «سمراويت» للصديق الصحفي حجي جابر. غير أني اكتشفت والفضل لحجي أني أعيش في هذه الرواية منذ زمن بعيد، اكتشفت أني شخصية مجسدة في عالم هذه الرواية الذي تشكل منذ أيام الطفولة، فالإريتريون مثلوا لي ولكثيرين من أهل جدة واقعا صادقا وحميما. بالنسبة لي كان لي من رفاق الحي من لا تجرؤ ذاكرتي المخرومة أن تسربهم لعوالم النسيان، عشت مع أولئك الأصدقاء، ومع رواية حجي تاريخ إريتريا الجميل المرير، صراعاتهم مع الحياة ومع أنفسهم، لحظات اللقاء والوداع الباكية، أخبار البلاد وأهلها، ذكرياتهم التي يدسها الهاربون من خطوط القتال في أشرطة صغيرة. وكم كنت أعيش الإثارة نفسها التي يعيشها أصدقائي الإريتريون حين أجتمع معهم لأستمع إلى شريط مسروق من تلك الأشرطة، وأتعجب حين يختار أحد المتحدثين لغة غير عربية للتعبير وإيصال التحيات عبر ذلك الشريط، رغم أني كنت أعي كونهم من بلد بعيدة غير هذا البلد. حجي في عمله يرى أنهم من هذه الأرض ولها، كثير منهم يرى هنا امتدادا لهناك، فهم مسلمون عرب منذ زرع مركب الصحابة على أهداب شواطئهم البعيدة ليصبحوا غصنا من الشجرة أخضر كالحياة، أخضر كالأمل، ويكفي أن أحدهم إن أراد إغاظة الآخر يقول له: روح يا حبشي..!! لكنهم كانوا لا يقبلون أن يناديهم غيرهم بذلك، حتى مزاحا. بطل الرواية توقف عن تشجيع المنتخب السعودي للأبد، لأنه اصطدم بسؤال استنكاري من صديقه السعودي عن مشروعية فرحه بعد مباراة فاز فيها الأخضر، وقد غضبت يوما بعد أن أخبرني صديق إريتري عزيز أنه شجع العراق في مباراته مع السعودية في كأس آسيا 96، واعتبرت هذا شيئا من الجحود لبلد ينتمي له، حينها علمني صديقي فخري وكم علمني هذا الصديق معنى أن تنصر شعبا تقتات الحرب من أبنائه، حتى لو لم يكن ذلك إلا بتشجيع فريقهم. «سمراويت» رواية جذابة كفتيات أسمرة، تدس خلف ثوبها الزاهي خطابا مهما عن أهمية أن ننتبه لأولئك الذين اختاروا وأثبتوا أنهم أبناء بررة لهذا المكان، أبناء عرفت منهم الكثير، تعلمت منهم الكثير، حتى إن أمي حفظها الله اعتادت أن تقول عني: ولدي هذا سعودي من إريتريا.