ائتمر إخوة يوسف على أخيهم ، وأجمعوا أمرهم أن يجعلوه في غيابة الجب ، ثم قدموا على أبيهم ليلا قائلين كما جاء في كتاب الله : (إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب). ومن هنا قال الناس في الحديث عن كل بريء صحت براءته وسلمت ذمته : (هو بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب). ومن كناه الشهيرة أنه يكنى (أبا جعدة) ، والجعدة الشاة ، ولما قدم عبيد بن الأبرص الشاعر على المنذر بن ماء السماء ملك الحيرة ، وأراد المنذر قتله ، ثم خيره أن يسقيه الخمر ثم يقتله ، فظاهر فعله الإكرام ، وهو في حقيقة الأمر إنما يريد قتله ، عندها قال عبيد: وقالوا هي الخمر تكنى الطلا كما الذئب يكنى أبا جعدة والمعنى : كما أن الخمرة وإن سميت طلا وحسن اسمها فإن فعلها قبيح ، وكذلك الذئب ، وإن حسنت كنيته فإن فعله قبيح. قالوا : وإذا عرض للإنسان عارض وخاف العجز عنه عوى عواء استغاثة فتسمعه الذئاب ، فتقبل على الإنسان إقبالا واحدا وهم سواء في الحرص على أكله ، فإن أدمى الإنسان واحدا منها وثب الباقون على المدمى فمزقوه وتركوا الإنسان ، قال بعض الشعراء يعاتب صديقا له وكان قد أعان عليه في أمر نزل به: وكنت كذئب السوء لما رأى دما بصاحبه يوما ، أحال على الدم وهنا يقول بعض أهل السياسة ، إن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني ، لما اجتمعت كثير من الدول على دولته في أيامه ، لجأ إلى سياسة العواء مع الذئاب حتى يفرق شملهم ، وقد أخرت تلك السياسة الأعداء من تحقيق مرادهم سنين طويلة. ولما أراد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن يحث أمته على لزوم الجماعة ، ضرب لهم مثلا مما يعرفون ، فقال صلوات الله وسلامه عليه : (إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية). وقال أكثم بن صيفي في حكمه وأمثاله : (من استرعى الذئب الغنم فقد ظلم). قالوا : أي ظلم الغنم ، وهذا المعنى وإن كان صوابا إلا أن المعنى (عندي) أي ظلم الذئب لأنه كلفه ما ليس في طبعه ، وجوز هذا المعنى الدميري في كتاب (الحيوان). وهذا يسوق إلى القول إن المرء العاقل إذا أدرك حقائق الأشياء سهل عليه أن يتعامل معها في شتى أموره ، ولهذا قالت الحكماء : (ثلاث لا حيلة فيهن : فقر يصاحبه كسل ، وخصومة مشوبة بحسد ، ومرض يرافقه هرم). فمن تأمل في هذا القول وجده حقا ، وما ذاك إلا من ثمار إدراك حقائق الأشياء.