اشتهر القول بوجوب المبيت بمزدلفة حتى لا يكاد يعرف خلافه ما أوجد الكثير من الحرج ، إذ سبب خروج عامة الناس من مزدلفة في وقت ضيق فيحصل بذلك شدة الزحام كما يحصل في الخروج من عرفة ، إذ يجتمع الحجيج في مكان واحد محدد ويعتقد عامتهم أنه ملزم بالبقاء إلى الفجر فيضطرب السير عند خروجهم ويشتد الزحام في مخارج الطرق بها ويحدث الكثير من المشقة ؛ مع أن المبيت بمزدلفة قال بسنيته عدد من فقهاء المالكية ، والشافعية ، ورواية عن أحمد وقول جمع من المتأخرين وهو القول المرجح لحديث عروة بن مضرس أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال : (من شهد معنا هذه الصلاة -صلاة الفجر- بالمزدلفة ، وقد كان وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا ، فقد تم حجه ، وقضى تفثه) حديث صحيح. وحديث عبد الرحمن الديلي أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال : (الحج عرفة فمن جاء قبل صلاة الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه .. الحديث) وهو حديث صحيح ؛ ومبيت النبي عليه الصلاة والسلام بمزدلفة فعل وفعله للتأسي كمبيته بمنى ليلة عرفة. والمناسب أن يعلَّم من يأتي للنسك ما في هذه المسألة من سعة حتى لا يتحرج من يريد أن يتقدم في مسيره من مزدلفة. كما أن من المناسب أن تعيد الجهات المنظمة النظر في حجز المنافذ إلى منى لمن شاء الخروج من مزدلفة من أول الليل طالما في الأمر سعة تسهلا لحركة الحجيج وتخفيفا من هذه المشقة. كما اشتهر القول بعدم جواز رمي جمرة العقبة قبل فجر يوم النحر وتسبب ذلك في تكدس الجموع المتقدمة من مزدلفة مبكرا انتظارا للفجر فيحصل من مشقة الزحام ضرر كبير لازدحام الناس وتجمعهم في مكان واحد محدود المساحة وهو جمرة العقبة في حين يبدأ الناس التوافد للرمي يشتد الزحام ويتدافع الداخلون إلى الجمرة مع الخارجين منها ما يوقع الكثير من الضرر ؛ مع أنه قد قال بجواز رمي جمرة العقبة بعد منتصف ليلة النحر عطاء وابن أبي ليلى وعكرمة بن خالد والشافعي وهو الصحيح من مذهب أحمد وهو قول جمع من المتأخرين وهو القول المرجح لما دلت عليه الأحاديث التي رويت عن عائشة وأم سلمة وأسماء رضي الله عنهن، والاحتجاج بما روي من نهي عن الرمي قبل طلوع الشمس لم يثبت ، فالمناسب أن يعلَّم الناس ما في المسألة من سعة لئلا يقع ذلك الخلل ولئلا يعيق تكدس المتقدمين انتظارا لمن هو آت من بعدهم. واشتهر القول بوجوب المبيت في منى أيام منى ما جعل كثيرا من الحجاج الذين ليس لهم مكان بمنى أو الذين لا يودون المكث في منى نهارا يعودون ليلا إليها ليدركوا فيها المبيت ولو بعضا من الليل ؛ فيحصل جراء ذلك تزاحم شديد للدخول إليها ليلا وافتراش من ليس له مكان في العراء وعلى الأرصفة ومنهم من يمكث داخل مقصورة السيارات المكيفة وهي تعمل وتظل الطرقات متكدسة بالسيارات طوال ليالي منى ، مع أن القول بسنية المبيت بمنى مروي ابن عباس والحسن وعطاء ومجاهد والحنفية وهو رواية عن أحمد وهو قول جمع من المتأخرين ، وهو القول المرجح لأنه قد رخص (صلى الله عليه وسلم) للعباس أن يبيت بمكة المكرمة ليالي منى من أجل سقايته .. متفق عليه ، ورخص للرعاة في المبيت خارج منى .. رواه أهل السنن ، ومبيته عليه الصلاة والسلام بمنى فعل والفعل للتأسي ، لذلك لم يأمر من رخص لهم في السقاية والرعي بفدية ، كما أمر من كان به أذى من رأسه وذلك يدل على عدم الوجوب ، قال ابن عباس : إذا رميت الجمار فبت حيث شئت ، والمناسب توعية الحجيج بما في هذه المسائل للعمل بما هو مرجح تحقيقا، ومن جهة أخرى لما فيه من توسعة ويسر ورفع للضرر والمشقة عن الناس.