عندما يستعيد المرء صور علاقاته وصداقاته ، يجد أنها انطلقت من زمالة منشأ أو دراسة أو بعثة أو عمل ، أو نتيجة جيرة أو قرابة ، وربما تنشأ مصادفة من خلال رحلة أو اشتراك في نشاط ، وقد تكون في واحدة من تلك أو في مجموعة منها ، وربما تكون عابرة أو عميقة مستمرة ومتجدّدة. وعندما حاولت أن أسترجع منشأ العلاقة بيني وبينه لم أجدها وليدة واحدة بمفردها مما سبق ، لكنها ، بالأحرى ، باقة من الصلات والأسباب ، تأتي في مقدمتها علاقتي بوالده (محمد الصالح العيسى) رحمه الله ، الذي استقى سليمان منه كثيراً من دماثته وشمائله ، لدرجة أنّ العارفين بهما لا يكادون يفصلون الصورة الفرع من الصورة الأصل في الشخصية والسجايا والخصال. أعرف أنّ البعض كانت له تعليقات عليه في بعض المواقف الإعلامية ، لكن ذلك كان يتحطّم على متانة كفايته الإعلامية ، وعلى صخرة الاحترام بمجرّد أن تقع العين على العين ، فعينه ، مساحةً وسماحةً ، كانت تستوعب كل شيء وتمتص أي اختلاف ، بل وتضفي على الطرف الآخر مسحةً من التسامح والصفاء ، وأجزم أن هذه الخصلة كانت أحد أسباب ديمومة علاقاته الهادئة مع الجميع. وامتداداً للسمات البريئة التي اتسمت بها شخصيته ، تقف خصلة الوفاء في مقدمتها كلها ، ومن أبرز شواهدها وقوفه أخويّاً مع صديقه الشيخ محمد الفهد العيسى (أبو عبدالوهاب) الذي يعامله بمقام والده ، مع أنّ البعض يخلط بين أُسرتيهما ، فاسم (العيسى) يكثر في العديد من الأُسر السعودية ، ومن بينها أسرته التي تنتمي إلى (بني زيد) في الوشم والقصيم وغيرهما ، واشتهر منها (جدّ زوجته د.ميّ) المؤرّخ الشهير إبراهيم بن صالح بن عيسى ، وترتبط معها أُسر عدّة مثل الضرّاب والفوزان والبيز. بدأت علاقة الأستاذ العيسى مع الإعلام مطلع التسعينات الهجرية (السبعينات الميلادية) ، من خلال مشاركات بموهبة إذاعية وتلفزيونية متنوّعة ، من بينها مهارة التعليق على المباريات الرياضية ، فضلاً عن قراءة الأخبار ، وكان التلفزيون السعودي آنذاك يحاول جاهداً بناء كادر مذيعيه بالاستقلال عن الإذاعة التي كانت تستحوذ على معظمهم ، فدارت مخاطبات مع وزارة المعارف آنذاك لنقل انتمائه ، مع أنه كان بذلك يخسر ميزة الجمع بين النشاطين ، وأذكر أنني في حدود عام 1394 هجرية (1974م) زرت تلفزيون الكويت فشاهدت برنامجاً ناجحاً عنوانه (مع الناس) يعدّه الإعلامي الكويتي عبد الرحمن الصالح ، فكان أن تبنّى التلفزيون السعودي فكرته بعد أن اطلع الأستاذ العيسى على نسخة منه ، حتى صار من أنجح البرامج التي قدمها وارتبطت باسمه فيما بعد ، مستمرّاً فترة طويلة. تقبّله الله قبولاً حسناً ، وبارك في عَقِبِه ، والحمد لله على قضائه.