ودّعت الباحةُ يومَ أمس الأول واحدًا من رجالها المخلصين ، الذين خدموا تراث المنطقة ، وتاريخها عبر ستة عقود. بل يكاد أن يكون هو أوّل مؤرّخٍ في العصر الحديث يقوم بتدوين تاريخ المنطقة ، وجغرافيتها ميدانيًّا، حيث جنّد نفسه في وقتٍ مبكرٍ ، قبل وجودِ السيارات ، ووسائل الاتّصال ، والمواصلات الحديثة ، للبحثِ ، والتقصّي ، والوقوفِ على الشواهد والآثار ، والالتقاءِ بكبارِ السنِّ والمعمّرين ، ممّن عاصروا الأحداث ؛ لنقلِ وتوثيقِ المعلومات مشافهةً ممّن عايشوا متغيّرات التاريخ ، حتى استطاع أن يوثّق للأجيال كنوزًا ثمينةً من المعلومات عن الوديان ، والجبال ، والقرى ، وحتى أنواع الشجر ، والنباتات ، وأنساب القبائل ، والعائلات. فقد كان -رحمه الله- موسوعةً تسير على قدمين. * رحل الأديبُ المؤرّخُ علي السلوك -رحمه الله ، وأسكنه فسيح جناته- بعد أن قدّم العشرات من المؤلفات ، والأعمال البحثية الخالدة ، والتي رصعت جبين المكتبة العربية ، وقدّم للأجيال ما لم تستطع تقديمه الجامعات ، ومراكز الأبحاث المتخصصة. فقد بذل من جهده ، وصحته ، وماله الكثيرَ من أجلِ إنجازِ تلك المؤلّفات التي ستخلّد اسمه على مدى العصور والأزمان. بل كان له الفضل -بعد الله- في تأسيسِ أوّل جمعيةٍ خيريةٍ بالمنطقة منذ أربعين عامًا. * رحل السلوك ، بعد معاناة مع المرض ، ولكن قبل أن تكرّمه الجهات المختصة في منطقة الباحة ، رغم ما قدّمه من عطاءات فكرية تستحق الإشادة والتكريم. واليوم وقد مضى إلى الرفيق الأعلى .. هل نسمعُ عن لمسةِ وفاءٍ تتبناها إحدى الجهات تقديرًا لدوره في خدمة تاريخ وموروث المنطقة ، على أن لا تقتصر على تسمية شارع ، أو قاعة باسمه. فهو يستحقُّ منّا جميعًا التكريم والتقدير. * أحرّ التعازي ، وصادق المواساة لأهله ، وأصدقائه ، ومحبيه ، ودعاؤنا له بالرحمة والغفران ، وأن يسكنه فسيح الجنان ، إنه سميع مجيب. --------------------------- نائب رئيس تحرير صحيفة (المدينة).