لم أكن أعرف أنه اللقاء الذي سأندم كثيرا على عدم حدوثه في عصر ذلك اليوم قبل بضع سنوات خلت. كنت في قريتي بمنطقة الباحة (وادي الصدر) عندما جاءني أحد الصبية يقول إن والدي قد ضافه هذه الساعة رجل يرغب في لقائك ويريد حضورك لمنزلنا وكانت كثرة المواعيد في الصيف تضغط على المصطاف من أهالي الباحة. لكنني أبداً لم أتوقع أن ضيفه في حجم الأستاذ علي السلوك إلا بعد أيام. كان الرجل المفكر والباحث علي السلوك في جولة لقرى الباحة لجمع وثائق حول رجال في غامد وزهران. ولأن توثيقاً كهذا تشح فيه المصادر والمراجع قام بنفسه يجمع ويدقق ما يجده لوضع دراساته وتراجمه. وهو الباحث الخبير في شؤون غامد وزهران منذ نعومة أظفاره. لا أعرف على وجه الدقة متى كان لقائي الأول معه ، فأنا أعرفه منذ أن بدأ التأليف ، أعرفه باحثاً في خيالي ، أعرفه في غامد وزهران الإنسان ، وفي المعجم الجغرافي لمنطقة الباحة ، ومجلدات موروثات غامد وزهران ، وفي وثائق من التاريخ. ثم عرفته في لقاء جمعني به في النادي الأدبي عام 1417ه وقد أذهلني حماسه في تشجيع أية كتابة جادة عن المنطقة ، كان يرى أنها جميعا مشاعل أمام المعرفة فتجسد لمن سمعه علي السلوك الإنسان وأرجو أن تكون دعوة لمن عرفه كثيراً عن قرب أن يكتب عن علي السلوك الإنسان. تحدث عن اشتراكه في أول لجنة تبحث عن حدود القبائل في المنطقة وتداخلاتها عام 1384ه. تحدث عن مؤلفات أبناء المنطقة التاريخية والأدبية عن الأسر والديار يأخذ مني المحكي في قصص المنطقة شواهد للدخول في أبحاث التراجم ، لا يتوقف كثيراً حول السرد في الرواية. ينتمي لمدرسة الرواد مع الحاسر والعقيلي والبلادي. وهي مدرسة لا تعنيها الدعايات والتهويل ، بل تغوص في المعرفة وتلبي حاجة طالبها ولا أعتقد ان باحثاً يستطيع تجاوز هؤلاء الرواد عند إجراء بحث أو دراسة في مواضيعهم. قبل لقائي معه في النادي بسنوات طويلة أي عام 1406ه كنت قد رأته للوهلة الأولى وحظيت لمجالسته في دعوى للغداء بمنزل مدير تعليم البنات الشيخ عبدالهادي العمري وفي اللقاء كان الشيخ سعد المليص حاضراً. في هذا اللقاء سمعت منه هجوماً على أولئك الذين سيتصدون للبحث في تاريخ وجغرافية المنطقة دون التمحيص والتدقيق وقد سمى بعضهم ، ومن المعروف عنه عدم تسامحه في خلل المنهج. وعندما حاول الشيخ سعد المليص التخفيف من هجومه لم يرض بأقل من الطلب منهم الإقلاع عن الاستخفاف بالأبحاث التوثيقية. كان لقاء عام 1406ه هو أول لقاء مع هذا الباحث العملاق فدارت في ذهني كثير من الصور التي في مخيلتي عنه ، كيف بنى نفسه بنفسه في عالم البحث والمعرفة ، وهو العصامي في هذا الشأن. وكيف تشرب عشق البحث في المنطقة حتى كانت أهم من أي شأن آخر في حياته. عندما تقرأ دراساته تشعر به في كل منعرج في منطقة الباحة ، تراه في كل ما يحكى من سرد لرجال غامد وزهران ينظف نظارة بحثه ليرى ما يمكن الاطمئنان إليه من رصد وتحري. تكاد تلمس يديه في كل وثيقة هناك ، ليس من السهل لعبقري آخر أن يكتب بما يوازي كتابته عن موروثات غامد وزهران. الله أسأل أن يمن عليه بالصحة والعافية. ------------------------------ هذا المقال نُشر في (الجزيرة الثقافية) يوم الأثنين 3 ,جمادى الثانية 1428ه العدد 203 ، وعُثر عليه اليوم في إطار البحث عما كُتب عن الأستاذ علي بن صالح السلوك ، ننشره اليوم بمناسبة رحيل الأستاذ علي السلوك رحمه الله ، ولنبدأ به توثيق أعمال الأستاذ أحمد بن علي الشدوي. المقال في المصدر