هلْ يسْتطيعُ الحرف المسكون بالحزن ، والمتدثّر بالآهات ، وهو يحاول أنْ يعتلي منصّة القول ، ويجرّ وراءه الكثير من السّجلاّت الحافلة ، والانجازات المتتالية في حقِّ من بزَّ بفعله كلّ قوى الشّر والتّطرف والإرهاب ، وبقوله كلّ مغرضٍ ، أو حسودٍ ، أو حقود ممّن حاول ، أو يحاول المساس بأمن هذه البلاد الطاَّهرة ، ويزعزع استقرارها ورخاءها؟! وهلْ يسْتطيع البوح المنكسر أنْ يُقاوم تلك الرّوح الإنسانيّة المتجلّية في عمق الوطن كأنَّها سحابة غيث تهمي بمزْنها مساحات هذه الوطن ، أو كأنها شجرة خير مباركة تؤتي أٌكلها في كلّ حين بإذن الله؟! لا الحرف بمستطيع، ولا البوح بقادر..!! مات الأمير نايف أسكنه الله فسيح جنانه بعد أنْ بَسَطَ يديه النَّديتين كِلتيهما بسطة رحمة وعطف ؛ للضعيف , والمسكين , وابن السبيل. ومات الأمير نايف -رحمه الله- بعد أنْ مدَّ كفّيه بالقوّة ضربًا على الهام في وجه دعاة الغواية ، والتَّطرف والإرهاب. هناك خصلتان في حياة الرِّجال لا تمَّحي من تأريخهم : يدٌ قويّةٌ تبطش في موضع البطش. يدٌ رحيمة تمتدّ حتّى تصل كلّ بساط الأرض المعمورة. لقد اجتمع في صاحب السمو الملكي الأمير نايف تلكما الخصلتين ، يدان تأخذان مكانهما لكلّ حالة حقّها دون أن تتجاوز إحداهما موضع الأخرى. وقلّةٌ قليلة من أصحاب القرار من يجمع بين الخصلتين إلاّ أفذاذ الرّجال ، ورحماء الرّجال ، وأقوياء الرجال .. وتلك مزايا اكتسى بها الأمير نايف واكْتَستْه حتّى عُرِفَ بها وعُرِفتْ به. ومع ذلك فمن الصّعوبة بمكان أنْ نختزل في هذه السّطور تأريخ رجلٍ أفنى حياته كلّها في خدمة دينه ، ووطنه، وأمته العربيّة والإسلاميّة ؛ كلّها مقدار واحد دون أن تطغى إحداهما على الأخرى ، لأنَّ المجدّ ، والنّجاح ، والإنتاج تظلّ أحلاماً لذيذة في نفوس أصحابها ، ولن تتحوّل إلى حقائق حيّة إلاّ إذا نَفَخَ فيها العاملون من روحهم ، ووصلوها بما في الدّنيا من حسّ وحركة. إذن؛ فليس بغريب على الأمير نايف -رحمه الله- أن يكون من أصحاب المجدّ ، والنّجاح ، والإنتاج ، وقد نفخ فيها من روحه وما يتبعها من جهدٍ وعرقٍ حتّى أصبحتْ جميعها تمور بالحسّ والحركة. لقد كان بمثابة ذلك الرّجل المقبل على الدّنيا بعزيمة ، وبصر ، وإيمان لم تخضعه الظّروف المحيطة ، ولم تثنه عن تحقيق مبتغاه مهما ساءت. لقد أيقن -رحمه الله- أنّ العمل يُحيي القلوب بالمعرفة اليقظة الدّافعة ، كما أنَّ العلم الناشئ عن العمل هو خلاصة المرّان والتّجربة. إنّه بقوّته الكامنة ، والظَّاهرة ، وملكاته المعروفة ، والمستترة ؛ استطاع -بعون الله- أنْ يبني مع اخوته من ملوك هذا الوطن المعطاء وطنهم لبنةً لبنة ، دون أن تثنيه بعض غلواء المحن ، أو تكسره شظايا السّفهاء. فوضع في يده الأولى الرّحمة ، ووضع في يده الثّانية القوّة. وكثيرًا ما نجد الأمير نايف -رحمه الله- يقول : (إنَّ سلامة الإنسان وسعادته مرهون بسلامة فكره ؛ ذلك أنَّ الشّخص الذي انحرف فكره سوف يكون عرضة للتّيارات الضّالة ، ويعرض حياته وحياة مجتمعه للمخاطر). لقد فطن أنَّ الأمن حالة شعوريّة ؛ إذ لا قيمة له إنْ لم يجد الإحساس به ، ويتولّد الشعور بأنَّ ثمّة فارقًا بينه وبين الخوف ، وإن لم يتحوّل ذلك كلّه إلى إدراك حقيقي يتمخّض عنه سلوك يؤكد أنَّ ثمة ما يطمئن على السعي في الحياة ، والحركة لإعمارها وإصلاح المفاسد في مناحيها ومقاصدها ومناهج الاقتراب منها.