أستعيدُ هنا عتبَ أحد الوزراء على حاكم ، ربما كان نابليون ، إذ قال الوزير: هل أقمتَ هذا البرلمان ، وأتحتَ الفرصة للناس لترتفع أصواتها وتعلو على صوتك؟ فردّ عليه: دع الحمقى يتجادلون ونحن نفعل ما نريد ، وربما لم يُسلّم بعضنا بتفاوت الطبيعة البشرية في القول والقدرات ما خلق النفور من التعددية المحمودة (ولا يزالون مختلفين ولذلك خلقهم) وإغفال وعي كل طرف بذاته وإحاطته بقدرات الآخر وإتاحة فرص التواصل والتفاعل معه من خلال أرضية مشتركة هي الوطن مع الابتعاد عن الخطابات المؤدلجة المُخوّنة أو المُحسّنة لطرحها والمُقبّحة لما سواه ، ومعظم التيارات السعودية تبني خطابها على عاطفة جيّاشة غير موضوعية ولا عادلة ، بعيداً عن اللغة العلمية أو الفكرية المتماهية مع ثوابت المجتمع ومتغيراته لذا كثيراً ما تتأزم الأمور بين رموز التيارات وبين الأتباع لندخل معمعة صراعات مجانية لا تتواءم مع ما نتغياه من حضارية الحوار وسنن التدافع والبحث عن الحق عند مخالفنا وحسبي وحسبكم هنا أن نستعيد قضايانا الوطنية التي تجادلنا حولها خلال ثمانين عاماً سنجد أن عُشّاق الاستهلاك من مريدي وشيوخ التيارات يتهالكون في مجالدتهم بعضهم ويُحفزون كل القوى في سبيل أن يكون تيارٌ أربى من غيره ، في حين يسير المجتمع في غالبه نحو التحولات بثبات ، ولم نتساءل ماذا قدّمنا للناس من أفكار خلاّقة ارتقتْ بهم اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً؟ إن كنا منصفين سنرى أننا نمارس بالصراع خيانةً ما كوننا نتخذ المعذّبين في الأرض وقود معارك ، وحطب حروب كلامية مُتجددة تُجذّر التخلف وتراكم إحباط المسكونين بهمّ معاشهم ، وبعيداً عن سوء الظن لا يُمكنني فهم الدين على أنه مؤسس عداء أو خالق أزمات فالله حينما أوجد هذا البناء المحكم هيأه لخدمة الإنسان، وأقامه على درجة من المرونة الكافلة لخليفته في الأرض أداء دوره الدنيوي والتعبدي في فضاء من التصالح والتجانس مع الإبقاء على فكرة التدافع المُحفّز للابتكار والتطور والتحضر والتوافق على الأصلح وإن كان مردّه إلى رؤية فردية ، أو جهة شيطانية وفي الحديث عن تعليم الشيطان أحد الصحابة حرزاً يحميه قال عليه السلام (صدقك وهو كذوب) وهذا تأصيل للموضوعية مع المخالف أو المضاد أو المعارض (ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا ، اعدلوا هو أقرب للتقوى) ونحن في هذه البلاد تجانسنا بعد تنافر ، وتآخينا بعد عداء ، وتحولّنا تحت راية الوطن إلى شركاء مع كل ما يكتنفنا من توجهات واختلافات وقناعات ، فهل يتعذر علينا تحقيق مفهوم الشراكة بعيداً عن صراع ناشئ عن سوء النوايا؟ ولم لا نختلق الأعذار عوضاً عن أن نكون حمقى نتجادل؟ وختاماً يمكنني تفهّم طبيعتك لكني لن أُسامحك على سوء نيتك ، خصوصاً حين تؤجج فكرة ماكرة صراع التيارات وتُحيلنا إلى إخوة أعداء نستشعر كل يوم أن هذه البقعة المباركة لا تتسع إلا لطيف واحد.