هذا الكلام ليس كلامي وحدي فقط ، بل هو كلام وشعور ملايين الناس في هذا الوطن الكبير ، وأكاد أجزم بأنه لا يوجد مَنْ يضمر لكم الكره ؛ فأنتم أهل النقاء ، وأهل الغيرة على أبناء هذا الوطن وبناته ، وتتمنون لهم حياة الكرامة والعزة والبُعد عن مسالك الرذيلة. نحن نعلم أنكم تريدون أن يكون أبناء هذا الوطن أصحاب رسالة سامية ، وأن يكونوا قدوة لأبناء الإسلام في جميع أصقاع الأرض ؛ فلا يمكن أن تنبع الرسالة المحمدية من هذه الأرض الطاهرة لهداية البشرية جمعاء ويكون فيها من يفسد ويرتكب الخطايا والآثام ، وما يتم عند غيرنا لا يمكن أن يطبَّق عندنا، لكننا لسنا مجتمعاً ملائكياً ؛ فقد يخرج الإنسان منا عن الطريق الصحيح بنزوة، لكن معدنه الأصيل ينكر عليه الرذيلة من داخله ، ويحتاج إلى بعض التوجيه ؛ ليعود إلى جادة الطريق الصحيح ، والكثيرون ربما لم يصل فيهم هذا السلوك إلى درجة الثبات ، لكن - كما ذكرت سابقاً - هي لحظة ضَعْف لم يستطع مقاومتها. إن استخدام الرفق في التوجيه والإرشاد والإصلاح يؤدي إلى نتائج إيجابية ، أما الشدة فإن نتائجها عكسية ، وكما جاء في الحديث النبوي الشريف عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، ولا نزع من شيء إلا شانه). وهناك مثال حي: المعلم الذي يرفق بطلابه ويراعي الفروق الفردية لديهم ستكون نسبة النجاح بينهم مرتفعة ، وعلى العكس من ذلك ؛ فالمعلم الذي لا يكون لين الجانب ، وطبعه العنف مع طلابه ، ويحاسبهم على أصغر الأمور ، فإن طلابه ستكون نسبة نجاحهم منخفضة ، وكلنا نعرف قصة الأعرابي الذي بال في المسجد ، وموقف النبي - صلى الله عليه وسلم - منه حينما حاول أصحابه ضربه ، لكنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بألا يُقطع عليه بوله ، ثم همس - صلى الله عليه وسلم - في أذنه بنصيحة استحيى منها الأعرابي ، واعتذر للرسول ، وطلب منه العفو والسماح ، ثم نصح النبي الكريم أصحابه وعلَّمهم كيف يكون الإصلاح ، وقال لهم (إنما بُعثتم ميسرين ، ولم تُبعثوا معسرين). إننا نعلم أن رجال الهيئة الحقيقيين لا يصدر عنهم إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولين الجانب والرفق بالأمة ، أما ما يصدر من عنف وشدة فإن منبعه (محتسبون) ، لم تصقلهم التجربة ، ويعمدون إلى الغلظة ظناً منهم أنها الأسلوب الأنجع لمحاربة الفساد والرذيلة. هؤلاء يُعتبرون دخلاء على هذه المهنة الشريفة ، وأعتقد أن الرئيس الجديد للهيئة تنبَّه لهم ، وبدأ في محاربتهم ؛ فقطع الطريق على المتربصين لجهاز الهيئة ، ووضع الأسس الصحيحة للتقارب بين رجل الهيئة والمواطن. وأخيراً .. إننا نتمنى من فضيلة الرئيس العام للهيئة ألا يقتصر عمل الهيئة على الفساد الأخلاقي ، وإنما يتعداه إلى الفساد التجاري ؛ فارتفاع الأسعار منكر يجب النهي عنه ، وفساد الأعمال والمشاريع غير المتقنة منكر أيضاً يجب النهي عنه ، وهناك الكثير من الأمور التي تقع في واجب إنكار المنكر لا يتسع المجال لسردها ، ونتمنى أن تكون من ضمن أولويات الهيئة.