كنت جالسا أقراء بعض الردود على مقالة قد كتبتها ونشرت في عدة صحف و كان هناك ردا لحدا القراء شديد اللهجة عديم الفائدة فهو نقد ولكنه ليس بناء , وفي أثناء الرد قال (هذا القلم مريض) فغضبت وكنت أريد النيل منه اعتقادا مني بأنه دفاعا عن النفس , وإذا بي امتطي صهوة القلم لكي أتسامر معه. فقال لي القلم : أوصل شكري إلى حسادي. فقلت له : لم افهم. فقال : من السهل أن تصنع لنفسك عداوات ولن يكلفك الأمر إلا بعضا من الحمق وسوء المعاملة و التدبير. فقلت له : ما الذي دعاك إلى قول هذا. فقال : الم تقرأ ما كتبه الشيخ سلمان العودة ((كم اشعر بالسعادة و الرضا حينما أتذكر أنني تجرعت بعض المرارات من إخوة اعزه , ربما لا يروق لهم هذا الوصف , ولكنني أقوله صادقا , لأني اعلم أن ما بيني و بينهم من المشتركات تفوق بكثير نقاط الاختلاف)). إن أسوا صناعة في الحياة هي صناعة الأعداء ، ولكن من الحكمة أن تصبر على المخالف وان تدفع بالتي هي أحسن ، يقول تعالى ((فإذا الذي بينك و بينه عداوة كأنه ولي حميم )). (فصلت : 34). يا من تضايقه الفعال=من التي ومن الذي ادفع فديتك بالتي=حتى ترى فإذا الذي ثم قال لي : يا صاحبي إن النقد الذي يوجه إليك يساوي قيمتك ؛ إذا لم تنقد فاعلم انك تسير في الطريق الخطاء. يقول روسو : كلما ارتفع الإنسان , تكاثفت حوله الغيوم و المحن. وقد ذكر أن العقاد قال لأحد الشاكين (اجمع لي كل المقالات التي هاجمتك , فجمعها . فقال له : رتبها وضع قدميك عليها فلما فعل قال له العقاد : لقد ارتفعت عن مستوى الأرض بمقدار هذا الهجوم ولو زادوا في نقدهم لزاد ارتفاعك). يقول ابن الوزير : وشكوت من ظلم الحسود ولن تجد=ذا سؤدد إلا أصيب بحسد ثم قلت لصاحبي القلم : أوصل شكري إلى حسادي ... فهم الذين علموني أن اصبر , و ادفع بالتي هي أحسن , واعرض , عندما يتهجم على بعض الحاسدين بنقد غير بناء أو رد شديد الغلظة دون ارتباك , وهم الذين علموني كيف امضي في طريقي دون تردد أو خوف أوصل شكري إلى حسادي ... فهم الذين علموني كيفية التعايش مع النفس بصوره متناسقة دون الانجراف إلى المدح الزائف , أو الثناء المفرط , أو الإعجاب الزائد في غير محله. أوصل شكري إلى حسادي ... فهم من صنع التوازن في الفكرة ، فقد يعطى الإنسان أكثر من ما يجب , فهم الذين يتقنون التوازن في المراجعة و التصويب -حتى لو لم يريدونه-. أوصل شكري إلى حسادي ... فهم من علمني كيف أتأمل في الكلام الموجه إلي , فقد يكون صوابا ، دون الانهماك في الرد و الدفاع. أوصل شكري إلى حسادي ... فهم من عرفني عليك أيها الصادق الأمين , القوي الرشيد , الصديق الصدوق , الذي أبحر معه في كل ما كان يخالجني من مواضيع جمة , و ضغوط عامه ، دون التذمر. قل لهم شكراً أيها الحساد ... على كل ما تقدمون , ولا أريد منكم أن تنتصروا لأنفسكم مني فانا منكم ولست عدوا يتربص بكم , فلو نظرنا إلى الاختلافات التي بيني و بينكم فلن تكون أكثر من نقاط الاتفاق , فنحن نتفق انه لا اله إلا الله , وان محمدا عبده ورسوله , وان الصلاة عمود الدين , و إن اليهود قد اغتصبوا فلسطين. شكرا لكم أيها الأصدقاء .... والسلام . ثم قال القلم : عظمة عقلك تخلق لك الحساد , و عظمة قلبك تخلق لك الأصدقاء. وانصرف.