لا يمكن لعاقل في هذه الأرض أن يقتنع بأن العقوبات المالية أو منع السفر أو التهديد بالمحاكمة الدولية على جرائم ضد الإنسانية يمكنها أن تشكل ردعاً فاعلاً لمجرم متمرس في يده السلاح القاتل ومنفرد بضحيته ، ناهيك عن أن مطالبة المجرم بأن يصبح إنساناً سوياً بدافع من ضميره، يعد تشجيعاً له على المضي في جرائمه ، لأنه يشعر أن من يطالبونه بإصلاح نفسه ينطلقون من عجز واضح عن ردعه ، ولا حيلة لهم سوى الفرجة والكلام. وفي الحقيقة ، أن العالم كله اليوم لا يفعل شيئاً حيال جرائم النظام السوري اليومية سوى الفرجة والكلام ، ابتداء من الجار التركي الذي أطلق كلمات جوفاء لا معنى لها ، لأنه لم يقرنها بأي فعل جاد حتى الآن ، على الرغم من ضخامة الآمال التي علقها السوريون في الداخل عليه ، منذ أن كان قتلاهم على يد نظامهم لم يتجاوزوا ستمائة قتيل قبل أكثر من ثلاثة أشهر ، لكن النظام التركي استمر في الكلام والفرجة إلى أن بلغ عدد القتلى الآن أكثر من ثلاثة آلاف وأضعافهم معتقلون ولاجئون ، ولم يبق أحد في سورية لا يتوقع رصاص الأمن في قلبه أو قلب فرد من عائلته ، حتى ولو كان لا يفعل شيئاً سوى مشاركة العالم في الفرجة دون الكلام. في العالم العربي ، كان خطاب خادم الحرمين الشريفين للشعب السوري واستدعاء السفير السعودي أقوى موقف عربي ، تبعته مواقف أقل من بعض الدول ، لكن الأمر توقف هنا ، وأمين الجامعة العربية نبيل العربي مازال يطالب النظام السوري بحل الأمور سلمياً وبالعقل والحكمة ، ودول العالم المؤثرة لم تغادر مواقفها منصة الكلام والمطالبات الفارغة ، وكلهم ينتظرون روسيا إلى أن تراجع مواقفها الانتهازية الداعمة للنظام المجرم في دمشق. لا أحد في العالم كله دولاً ومنظمات ؛ يصدق ادعاءات النظام السوري ، ولا وعود والتزامات بشار الأسد ، فقد قدم النظام والرئيس عشرات الأدلة على كذبهم ومراوغتهم فضلاً عن إجرامهم الذي يؤكده ما لا يقل عن عشرين قتيلاً يومياً ، والسؤال الطبيعي والبديهي ماذا ينتظر العالم وفي مقدمته العالم العربي وتركيا؟ إنهم جميعاً لا يصدقون الأسد ولا نظامه ، ولا يثقون فيهما ، والجميع متأكدون أن آلة القتل الهوجاء لن تتوقف استجابة لناصح ولا خوفاً من مُهدد ، فماذا ينتظرون؟ هل ينتظرون إبادة الشعب السوري أو نصفه أو حتى خمسين ألفاً منه ليشعروا أن واجبهم يحتم عليهم التدخل لإيقاف تدفق الدم البريء في شوارع سورية؟ لقد كان قرار الجامعة العربية الذي أيدت فيه قرار مجلس الأمن بالتدخل الدولي في ليبيا لحماية المدنيين أفضل قراراتها ، ومع أن التنفيذ لم يكن -زمنياً- بالصورة المطلوبة ، حيث شهد تباطؤاً واضحاً، إلا أنه كان تدخلاً ناجعاً هاهي ثماره بدأت أولى طلائعها بمحاصرة ثوار ليبيا لمخبأ العقيد الذي أرجو أن يكون سقوطه في أيديهم سابقاً لقراءتكم هذا المقال ، وعموماً سقوط القذافي ونظامه كان حتمياً وهاهو يتحقق ولله الحمد ، وتبعاً لذلك لا أظن أحداً يجادل اليوم في حتمية سقوط نظام البعث في سورية ، فهذه القناعة فيما أعتقد أصبحت راسخة عند الشعوب العربية وقادتهم وعند عواصم العالم المهمة ، باستثناء طهران وتل أبيب وحزب الله ، وواشنطن مازالت تقدم رجلاً وتؤخر أخرى ، تبعاً لتقديراتها لمصالح إسرائيل ومخاطر إيران ، وهي تحتاج للخروج من ترددها إلى موقف عربي فاعل بالتدخل ليس لحماية المدنيين فقط ، بل ولتمكين الشعب السوري من تحديد خياراته في أوضاع آمنة ، وأنا هنا أعني بوضوح التدخل العسكري الذي يجب أن يقوم به العرب وتركيا ، فإن كانوا غير قادرين عليه فليدعوا العالم من خلال الأممالمتحدة إلى مشاركتهم فيه ، والمطلوب ليس قتال الجيش السوري ولا الأمن هناك ، وإنما إيقافهما عن قتل الناس ، وإيجاد قوة عربية أو عربية دولية داخل سورية تحفظ الأمن وتوقف القتل من أي جهة ، وتضمن للشعب السوري حرية اختيار النظام الذي يريد ، فمن الواضح إصرار الشعب على إسقاط البعث ، ومن الأوضح أن نظام البعث يهوى السباحة في الدماء ، ومن دون التدخل الذي أشرت إليه ، فإن نظام البعث مستعد لممارسة إبادة جماعية لا تقل فظاعة عن مجزرة 1982 في حماة ، فالقتل اليومي الذي يحدث الآن ليس سوى بروفات للجرائم الكبرى القادمة إن استمر العالم في الكلام والفرجة.