سيحل بعد أيام اليوم الوطني لبلادنا الحبيبة والعظيمة ، وهو يوم يتذكر فيه الناس وحدة الصف ، وجمع الكلمة ، ونعمة الأمن ، وظهور الفضيلة ، وسعة الخير ، ورحمة الناس بالناس. وأمام عشرات المجلدات التي تستحق أن تكتب عن الجانب الحضاري في كل بلادنا ، لم أجد أي احتفاء يليق بمناسبة كهذه !. فلا يكاد أبناء كل مدينة يعرفون الوقائع التاريخية واللمسات الجمالية والأماكن الحضارية في كثير من الأماكن في مدينتهم. وقد جربت هذا في موسمين من برنامجي (مذكرات سائح 4 ، 5) ، عندما عرضت جوانب مضيئة ومشرقة عن مدينة جدة ، ووقفت عند الأماكن التي حملت تلك الإضاءات الرائعة ، مما كانت موضع إعجاب وعتاب في آنٍ واحد ، عن سر اختفاء هذه الجولات الجميلة !. والسؤال هنا: لماذا يتكرر لون الاحتفاء باليوم الوطني بنفس أساليب التجمع في المدارس والمقرات الحكومية ، أو في السفارات والفنادق من تجمعات الأصحاب ، حتى إذا نزلنا إلى الشوارع ، رأينا آلاف الشباب ممن يستغلون هذا الموسم بعفوية أحيانًا وبتقصد أحيانًا ، لتعطيل الحياة ، وإيقاف الشوارع ، والتمظهر بالسيارات ، وتعريض النفس للتهلكة ، هذا فضلًا عما يجري في بعض الأسواق !. إن الأمر ما عاد موقفًا عابرًا ، أو في مكان خاص ، أو لحالات محددة ، بل تطور الأمر أكثر وأكثر ، لتخطيط البعض للعبث ببعض الممتلكات ، ومضايقة مجموعة من الجهات الأمنية المختلفة. وهذا كله وغيره مما هو معلوم يتطلب وضع منهجية متماسكة ومتكاملة لإحياء الروح الوطنية في نفوس الأجيال. واليوم الوطني فرصة سانحة لتحقيق ذلك ، كونه يومًا تُحصد لأجله عوامل التهيئة النفسية والاجتماعية والإعلامية والعاطفية. ولذا سأقدم هذه المقترحات بين يدي القائمين على فعاليات هذا اليوم الوطني الكبير: 1- الأمة التي تنشد رقيها تبحث أول ما تبحث عن عوامل النهوض الحضاري ، وأول هذه العوامل (إحياء الثقافة التاريخية العظيمة في بلدها). ولذا يُقترح اختيار مدينة كل عام في وطننا الكبير ، والتعريف بجوانبها الحضارية ، مع التأكيد على جمع الخبراء والمؤرخين حتى لا تتكرر الموضوعات ، والاستفادة من الإعلاميين المتميزين -ولو من الخارج- لإخراج أفلام ، ومقاطع محترفة ، يمكن الاستفادة منها في وسائل الإعلام العامة والجديدة. 2- الاستفادة من كل مؤسسات البلد الحكومية ، لإقامة فعاليات ثقافية متنوعة تضم الندوات والمحاضرات والإنشاد والمسرح بما يتناسب مع روح العصر ، ومتطلبات الشباب ؛ لأن الناس يحبون أن يتذكروا الجميل في اليوم الجميل. 3- جمع الشركات الخاصة والكبرى منها على وجه الخصوص لعمل مسابقات تخص دعم الطاقات الشبابية في السعودية وتكريمها كل عام في محفل يليق بهم في اليوم الوطني ، كل في منطقته. 4- وضع اللوحات القيمية والإرشادية ذات الطابع الإبهاري الجميل المناسب لتذكير الأجيال بوطنهم وحقه عليهم ، والحفاظ على ممتلكاته. 5- الإعلان عن مبادرات ذات شراكة بين الحكومة والقطاع الخاص لمشروع محدد كل عام لصالح المواطنين والشباب خصوصًا ، كعمل مراكز اجتماعية راقية ومتكاملة في أهم الأحياء وأكثرها تجمعًا ، أو مراكز تدريب مجانية أو شبة مجانية لدراسة اللغات وعلوم الآلة الحديثة في كل المدن. 6- إطلاق طاقات الشباب بدعم مؤسسات العمل المدني لحملات تطوعية تخدم المرضى والمحتاجين والأرامل والمعاقين خاصة في المناطق النائية ، وتشكيل هيئة مشتركة بطريقة منظمة ومرتبة ، مع تصويرها وإبرازها للأجيال. 7- عمل خطة محكمة لتوجيه الشباب للنوادي الرياضية مثلًا وإقامة مسابقة رياضية وطنية في كل منطقة ، مع برنامج توعوي راقٍ يناسب المكان والحال ، بدل التوتر الذي يصيب كثير من العوائل أثناء تعطلها في الشوارع. وبعد: فإن أهل العربية يقولون: كل من وطن أرضًا وسكن فيها. فهو مواطن. ولذا فمن المناسب واللائق في هذا اليوم الجميل تذكر الجاليات من غير السعوديين ، الذين ولد بعضهم فيها ، وساهم في نهضة البلاد ، بالنظر في أهم أمورهم ، وتبشيرهم بما يخدم مصالحهم ، وهذا كله هو فرحة للوطن والمواطن. حفظ الله بلادنا ، وأدام عليها أمنها وأمانها ، وجعلها عزيزة بدينها ليوم الدين ، خادمة للإنسانية في كل مكان.