عجب أمر بعض الناس .. عجب يستحق الإعجاب ! هذا الإنسان الذي خُلق بطبعه يحب المال حباً جماً ، ويضعه في قمة مغريات الحياة الدنيا وزينتها وفتنتها (المال والبنون زينة الحياة الدنيا ...) ، هذا الإنسان يخرج (في نظري) من دائرة الطبيعي عندما يتهم الحكومة بتدليل الأثرياء وهو أولهم أو ثانيهم ، لأن الحكومة لم تستقطع منه نسبة كافية تذهب إلى واردات الضرائب. يقول البليونير الأمريكي وارن بافيت (ثروته تقارب 40 مليار دولار): (طلب قادتنا (تضحيات مشتركة) ، لكن عندما طرحوا هذا الطلب قاموا بإعفائي منه. وعندما سألت أصدقائي من كبار الأثرياء وجدت أنهم لم يمسهم كذلك شيء ، في الوقت الذي تناضل فيه الطبقتان الفقيرة والوسطى من أجلنا في أفغانستان ويناضل غالبية الأمريكيين لتلبية متطلباتهم ، نستمر نحن معشر فاحشي الثراء في التمتع بإعفاءات ضريبية استثنائية). هذا جزء من مقال نشرته (واشنطن بوست) الصحيفة السياسية الأولى في الولاياتالمتحدة وترجمته الشرق الأوسط (16 أغسطس) ، وفيه انتقاد علني لتوجه الأغلبية الجمهورية المسيطرة على الكونجرس المحابية باستمرار للأثرياء لمآرب معلومة أهمها الدعم المالي للحزب في معاركه الانتخابية. بئس هي المواقف التي تراعي مصالح الحزب الضيقة وتهمل مصالح البلاد بأسرها تحت دعاوى فندها هذا الثري الشجاع الذي قاوم كل إغراءات التشبث بالمال ، ولا غرو فقد تبرع هو شخصياً بأكثر من ثلاثة أرباع ثروته الباهظة لمؤسسة بيل غيتس الخيرية التي تُعنى بدعم قضايا التعليم والفقر والمجاعة في كل أنحاء العالم وفي الولاياتالمتحدة تحديداً. طبعاً لا ينطبق نموذج من هذا النوع على واقعنا العربي أبداً ولا حتى على الإسلامي ، فالصورة الذهنية المنطبعة في أذهان العامة عن الثري العربي أنه جشع للغاية ، ويحب التقتير على الآخرين ، ولو كانوا موظفيه ، وفيه غلظة وصلف ، ولو قيل له أفعل أو ادفع أو احسن ، أجاب ببرود: (هذا شغل الحكومة !!). طبعاً هناك استثناءات ، لكنها لن تصل يوماً إلى حد الإقرار بأن الحكومة (تدلعّه) ، بل هي تمرمطه في الاستقدام وفي المناقصات وفي التراخيص .. والقائمة تطول. ما أجمل اجتماع الثراء الفاحش مع التجرد الصادق !!