كثير من المواطنين يدركون أنه من الصعب جدا تغيير الحال في الخدمات الصحية بين عشية وضحاها. وهم يدركون أيضا أن هذا الأمر يتطلب دعما ماليا كبيرا وزمنا ، وقبل ذلك خطة واضحة دقيقة تضع في حسبانها الأهم ثم المهم وهكذا. منذ أكثر من أسبوعين (27 يوليو الماضي) زار محافظ محايل عسير مستشفاها فأصابه الذهول والدهشة من سوء حال المستشفى ، فالإمكانات ناقصة وعدد الأسرة قليل ، حيث يضم المستشفى 150 سريرا لخدمة أكثر من 300 ألف نسمة ، عدا الذين يأتون من المحافظات المجاورة والقريبة ممن لا مستشفى عندهم. مدير مستشفى محايل عسير تحدث للصحف يومها عن آلية العمل التي يتبعونها في محاولة لترقيع خرق النقص الذي اتسع لدرجة يصعب معها ترقيعه إلا بمستشفى جديد سعته لا تقل عن 400 سرير لم يدخل حتى الآن إلى دائرة تفكير وزارة الصحة ، وربما لن يدخل إلا بعد أن تصل الحاجة إلى ثمانمئة سرير!! هذه الحال في محايل عسير ليست خاصة بها ، فما هي إلا أنموذج لما هو موجود من نقص وسوء في مختلف المناطق والمحافظات ، ووزير الصحة شاهد وعاش ذلك بنفسه في حائل قبل بضعة أسابيع ، ولا أدري لماذا لا يتجول معاليه في بقية المناطق والمحافظات ليرى بنفسه كيف الحال. وبدلا من أن تشغل الوزارة الناس ببرامج العلاج المنزلي الإعلامي تشغل نفسها ببحث وسيلة أو آلية لتحسين الخدمات التي يذهب الناس بحثا عنها فلا يجدونها. شيء مؤسف أن تكون معظم جوانب حياتنا التنموية في تقدم وتطور بينما الخدمات الصحية تشهد تأخرا بل وعودة إلى الوراء ، والسبب فيما يبدو أن الوزارة حتى الآن لم توفق في وضع الخطة السليمة التي يحتاجها الوضع الصحي في المملكة ، وهذه مسؤولية متراكمة وتركة ثقيلة قديمة لا يتحمل وزرها الدكتور عبدالله الربيعة ، فهو ورثها عن أسلافه ، لكنه قد يضيف إليها أثقالا فيورثها لخلفه أسوأ حالا مما كانت عليه ، وقد يوفق فيضع ما يخفف العبء ويصحح المسار فيضع لبنة قوية يستمر عليها البناء المسقبلي صحيحا. منذ سنوات طويلة والوزارة تعلن عن الخطة تلو الخطة لكنها مع الأسف الشديد خطط على الورق وللاستهلاك الإعلامي ، فيما الواقع لا يتغير نحو الأفضل بل يسوء ويتخلف. ومشكلة الوزارة أن تصحيحها أو مشاريعها تجيء بعد أن تكون الحاجة تضاعفت، هذا فضلا عن أن الوزارة سعت في السابق – كما كانت تقول إعلاميا – سعت لوضع خطتين متوازيتين للطب الوقائي والطب العلاجي ، ففشلت في الاثنتين حتى يومنا هذا ، فلا الطب الوقائي له وجود فاعل ملموس في الحياة ، ولا الطب العلاجي قادر على الوفاء بالحد الأدنى من احتياج المرضى في جميع المناطق والمحافظات ، وأقول جميع لأنك لن تجد محافظة واحدة لا يشكو أهلها من سوء الخدمات الصحية ، ولدي من طرائف سوء الخدمات هذا ما يجعل المرء يضحك لدرجة البكاء ، ولعلني أروي بعضها مستقبلا. ولا حول ولا قوة إلا بالله.