الحراك المدني الذي شهدته وما زالت تشهده الأندية الأدبية الثقافية في المملكة يعد خطوة في الاتجاه الصحيح تستحق الدعم والمؤازرة والتشجيع والتطوير لتكون أنموذجا يحتذى ويُشجع على تعميم التجربة في مؤسسات أخرى أهم مثل المجالس المحلية ومجالس المناطق ومجلس الشورى. أهمية التجربة في الأندية الأدبية الثقافية أنها وضعت عموم المثقفين والمثقفات في الوطن وجها لوجه أمام امتحان الديمقراطية التي طالما تغنوا بها وتطلعوا إليها ونادوا بتجريبها وتطبيقها ، ولهذا فهم معنيون بنجاح التجربة وهم مُطالبون بتحويل تنظيراتهم إلى أفعال ، وفي الواقع أنهم في ضوء ما حدث في بعض الأندية حتى الآن من انتخابات قد نجحوا ، وأقول نجحوا مع ما حدث من هفوات وأخطاء لأن هذه هي التجربة الأولى والتجارب الديمقراطية لا يمكن أن تولد ناضجة إذ لا بد من تجريب وتصويب ، ولابد أن تكبر التجربة وتتحسن وتنضج في المرات القادمة ، ولعل من أبرز الإيجابيات هو حدوث الانتخابات نفسها في ضوء لائحة ونظام ، ثم مشاركة المرأة ونجاحها في دخول مجالس إدارات الأندية ، أما الأخطاء فلعل أبرزها عدم دقة اللائحة في تحديد من هو عضو الجمعية العمومية ، الأمر الذي فتح باب الاجتهاد لأعضاء مجالس الإدارات المعينة السابقة بحكم أنهم هم القيمون على التطبيق الأول للتجربة الجديدة ، فبدا لبعضهم أن هناك إمكانية لوضع توصيف أو شروط تضمن بقاءه ، وعلى كل حال مثل هذا اللبس الذي حدث يمكن معالجته وتوضيحه مستقبلا مع المجالس المُنتخبة التي لا شك ستكون مدركة أن الآلية التي أوصلتها هي حق مشروع لغيرها. بقي أن أشير إلى أن هناك طرائف لا بد أن تُسجل ، وبحكم أنني هذه الأيام أقضي جل وقتي في المنطقة الشرقية بحكم العمل ، وبحكم لوثة قديمة مع الثقافة والأدب مكنتني من تكوين علاقات مع أعداد كبيرة من المثقفين في الوطن كله ، ومع الموجودين في الشرقية بصفة خاصة ، أقول بحكم هذين الأمرين فإنني أشعر بأنني - أمون - عليهم في الشرقية إذ جلهم أصدقائي ولذلك سأنقل لكم ثلاث طرائف من هنا من الشرقية. الأولى ما حدث للشاعر الكبير علي الدميني وقبل أن أسرد تخيُلي لما حدث له أقول له أنت محق في الشكوى لكنك غير مصيب في أن رئيس النادي له أهداف أخرى ، فقد اعتذر الرجل ، والأخ محمد بودي كما أعرفه بريء من أن يظهر ما لا يبطن فكل الذي حدث خطأ موظف وانتهى ، لكن كيف حدث الخطأ ، وكيف تلقاه الدميني ، هنا بدأت ملكة الخيال عندي وجاءت على النحو التالي: الدميني يعرف موقع النادي مثلما يعرف موقع بيته ، ولهذا لا يمكن أن يخطئ في الوصول ، ثم إنه لا يظن أن أحدا في النادي ولا في المملكة لا يعرفه وأنا أجزم أنه علم ثقافي في رأسه نابغة شعر ، دخل النادي وذهب إلى الموظف المختص بتسجيل أعضاء الجمعية العمومية دون أن يلمس أي مظهر من مظاهر التعرف عليه، فقال: السلام عليكم أنا علي الدميني أريد التسجيل ، فنظر إليه الموظف وقال: هل لديك إنتاج أدبي ؟ فدارت الأرض بالدميني وتلفت وتساءل هل أنا في النادي ! لكنه تماسك وقال: لدي محاولات شعرية ونثرية ، وأظن في مكتبة النادي بعضها مثل دواوين (رياح المواقع ، بياض الأزمنة) أو رواية (الغيمة الرصاصية) أو ... فقاطعه الموظف: اذهب وأحضرها ليست في مكتبتنا ، وهنا كان الدميني قد بدأ لا شعوريا يستحضر قصيدته العظيمة (الخبت) ومع سرحانه قال للموظف: هل أحضر الخبت ؟ فصاح الموظف يا أخي نريد كتابا لا أرضا ، وبدأ الموظف يشك أن هذا الإنسان له علاقة بالقراءة والكتابة أصلا ، ولهذا ما إن وصل الدميني إلى داره لإحضار الكتاب حتى كان الموظف يتصل ويطالبه بإحضار الشهادة الجامعية ، والموظف مُحق لأن (الخبت) صحراء شاسعة لا يمكن لعاقل فضلا عن مثقف يريد الجمعية العمومية للنادي ينطقها في هذا المقام! هذا ما كان بشأن طرفة الدميني مع النادي كما تخيلتها ، أما الطرفتان الأخيرتان فلا تحتاجان إلى خيال ، حيث حدثتا في الواقع ، أولهما يوم الثلاثاء الماضي إذ ألغت جمعية الثقافة والفنون في الدمام ندوة كانت قد دعت إليها عن انتخابات الأندية وكان طرفاها الدكتور مبارك الخالدي ، ورئيس نادي الدمام محمد بودي ، الجمعية لم توضح السبب ، فتم اقتراح النادي مكانا لإقامتها فرفض رئيس النادي الذي هو أحد ضيفي الندوة وسبب رفضه مهم جدا ! فقد قال إن مجلس الإدارة لم يدرجها من السابق ضمن النشاط ، إلغاء الجمعية للندوة ورفض النادي استضافتها وجيهان ولهذا اعتبرتهما طرفة. أما الأخيرة فمن الأحساء ، رئيس النادي هناك الدكتور يوسف الجبر لم يجد تخريجا مناسبا لرفض بعض المتقدمين للجمعية العمومية مثل الزميلة بشائر محمد سوى تجريد النادي من صفته الثقافية ، وحصره على الصفة الأدبية ولا أدري - حتى لا أظلمه- هل يعتبر الأدباء مثقفين أم لا ؟ المهم أنه ساهم - من وجهة نظري- في تدوين هذه الطرفة التاريخية.