* هناك أشخاص جاهزون دائماً لاثارة القلوب ، وشحن النفوس بحيث تتصادم هذه القلوب ، وتتطاحن هذه النفوس دون أن تكون هناك حقائق ثابتة تتطلّب هذا الشحن ، أو تستنفر هذا العداء ، وإنما هي مجرد شائعات ونميمة يتم توظيفها توظيفاً خبيثاً من قبل هذه الفئة -المريضة- وتشعل العداء في قلوب ، ونفوس من يستقبلها ، ومن يُصدقّها فتكون النتيجة الحتمية أن تُصبح القلوب متباعدة ، والنفوس متوترة فقد امتلأت بالصدمات مما يقوله الآخرون عنا من خلال كلمات ، وعبارات لا تتناسب ، ولا ترقى لما نحمله لها من مكانة ، وقيمة ، وصدق ، وما نقوله نحن عنهم من كلمات ، وعبارات قاسية ، وصادمة ، ولا أساس من الحقيقة بين الطرفين. يقول أحد الفلاسفة أن أسمى درجات التفاؤل أن يرد الإنسان على شخص أبلغه بأن فلاناً من الناس يكرهه بقوله : أن لا أصدق ذلك لأنني أحبه؟ والتفاؤل هو أن ترى الناس من حولك بعين واحدة ، وتسمعهم بأذن واحدة ، وتتكلم معهم بأربعة أو خمسة ألسنة.. تراهم بعين واحدة فلا تكتشف النقص الذي فيهم ، أو السوء الذي يحيط بهم ، أو الضعف الذي يلازمهم فيجعلهم يلبسون عدة أقنعة لتغطية هذا الضعف ومداراته .. وتسمعهم بأذن واحدة فلا تتمكن من معرفة المكر ، والخبث ، والحقد الذي يدور في رؤوسهم ، وصدورهم.. وتتكلم معهم بأربعة ، أو خمسة ألسنة فتغير في كل مرة لساناً بلسان بحيث يكون اللسان المناسب في الوقت المناسب.. وتفسير (اللسان المناسب في الوقت المناسب) يعني أن تجعله ليناً ، مطيعاً ، مسايراً ، مرناً ، وعليك أن تدرك العلاقة الدقيقة بين اللين ، والطاعة ، والمسايرة ، والمرونة! والجملة الشهيرة التي تقول إن المتفائل هو الذي يرى نصف الكوب مملوءاً ، (عكس المتشائم الذي يرى نصف الكوب فارغاً) تجعل مهمة المتفائل أمام امتحان صعب باستمرار مع نفسه من جهة ، ومع غيره من جهة ، أولاً لكي يُحافظ على اتزانه ، وتوازنه ، وثانياً لكي يحافظ على ابتسامته في لحظات الشدة ، والقلق ، والخوف ، وثالثاً لكي يظل في الصورة مع الآخرين يحاورهم ويحاورونه ، ورابعاً ليثبت أنه استوعب درس الفيلسوف ، واستفاد من الجملة المشهورة ، وخامساً وسادساً وسابعاً لكي يصل للهدف الأساسي من كل هذا اللف والدوران الفلسفي وهو أن الحب خير من الكراهية ، والتفاؤل خير من التشاؤم ، ورؤية نصف الكوب مملوءاً أفضل كثيراً من رؤيته فارغاً !!