من تحت الانتداب البريطاني وُلد وعد بلفور الشؤم في عام 1917م ، الذي بموجبه أعطى مَن لا يملك أرض الغير ، وبعد سلسلة من الرعب والمجازر من قِبل الإرهابيين الصهاينة الذين تدربوا على أيدي الأوروبيين ومنهم: (بيقين وبن قوريون وألون وديان وبيريس الحالي وغيرهم) الذين لم تطلهم العدالة الدولية -التي تتبجح بها الإدارات الأمريكية- بعد. وعندما تراجعت قدرات بريطانيا العظمى انسحبت وسلمت المشِعل لأمريكا لتسود العالم الجديد ، ويصبح القرن العشرون أمريكيًّا بامتياز. وبقيت الامبراطورية الأم على هامش السياسة الدولية ولكنها مرجعية تاريخية لا غناء عنها بالنسبة لأمريكا. والدهاء البريطاني على الدوام يعمل بهدوء ويترك الإثارة لوريثته التي تفوقت في كل وسائل الحياة ، والتسلح ، وعلوم الفضاء ، والاقتصاد ، والإعلام ، وأصبحت العملة الخضراء هي المحرك والداعم الرئيسي لاقتصاد العالم. وفي الصراع العربي الإسرائيلي نسي العالم أساس المشكلة .. ومَن تسبب في مأساة الفلسطينيين .. ومَن مكّن عصابات الصهاينة في أرض فلسطين ! وبعد طول السنين واستمرار الخبث الإنجليزي في السر والعلن كافأت أمريكا -في ولاية جورج بوش الابن- السيد توني بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق على تأييده المطلق في حرب احتلال العراق ، بمنصب جديد لرئاسة الرباعية المكونة من (روسيا ، الأممالمتحدة ، الاتحاد أوروبي ، وأمريكا) الذي كلف بتضييع الوقت حتى تمضي الصهيونية في ابتلاع أكبر قدر من الأراضي ، وتبني المستوطنات ، وتخلق أمرًا واقعًا لتقول للعالم ها أنا هنا ولن أتحرك ! كما فعل نتنياهو (لبراك اوباما) ولكل من التقى بهم في رحلته الأخيرة إلى أمريكا ، وبين وقت وآخر تطل السياسة الخارجية لبريطانيا بمحاولات رفع العتب بتصريح هنا وهناك لا قيمة له مثل تأييد وزير خارجيتها الحالي السيد هيج لما ورد في خطاب الرئيس الأمريكي باراك اوباما الذي رفضه نتنياهو بكل وقاحة في سدة البيت الأبيض. ولان الحملة قائمة للذهاب إلى الجمعية العمومية القادمة ، فان على المفاوض الفلسطيني إعداد مذكرة تكون جزءا من أوراق العمل التي سيتقدم بها الوفد إلى الأممالمتحدة لدعم موقفه تؤكد على المسؤولية التاريخية لبريطانيا التي تسببت فيما حصل بكل تبعاتها مدعمة بالإحصائيات ، والوثائق ، والمراسلات ، وتعداد السكان ، ونسبة اليهود الضئيلة جدًا(لا تتجاوز5%) من عدد السكان ، عندما اصدر بلفور وعده ، لإيضاح كل ما يلزم لوضع الحكومة البريطانية أمام مسؤولياتها التاريخية والضغط عليها لتأييد المشروع الفلسطيني ، والتخلي عن تأييد الموقف الأمريكي المعارض. والعمل الدولي في المواقف المماثلة يتطلب نشاطًا مكثفًا ، وذكاءً خارقًا ، ومقدرة على المناورات ، والاستعداد بالمعلومات صغيرها وكبيرها ، للتصدي لمناورات العدو ومقدرته على التحرك بالمال والتهديد والوعيد في الخفاء للضغط على بعض الوفود في أروقة الأممالمتحدة. إن الوضوح في الطرح ، والدقة في التفاصيل ، والإخراج الجيد هو ما يجب أن يهتم به الوفد الفلسطيني ، مع تهيئة الوفود العربية ووضعها في الصورة بشكل دقيق، يعد من مستلزمات النجاح ، فهذه المهمة التاريخية من واجب كل الوفود العربية بدون استثناء ، لأنها مشكلة الجميع ولا تخص الوفود الفلسطينية لوحدها. إن التجربة الفلسطينية عميقة في هذه الأمور مثل (حنان شعراوي وغيرها) ولكن الضغط عليهم سيكون قاسيًا ومكثفًا وسيحتاجون لدعم غير عادي من الآن حتى التصويت .. وبعده. وبهذه المناسبة أتذكر مقولة لإدوارد سعيد الكاتب الفلسطيني الشهير -رحمة الله عليه- الذي قال في ندوة للطلاب العرب في جامعة مقيل الكندية- بمدينة مونتريال: (علينا أن نتعلم كيف نجعل اليهود يحسون بالذنب ، والألم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني ، مثلما جعلوا كل العالم يحس بالذنب والألم على ما حصل لهم على يد النازية ، وهذا ما يجب أن يفعله الفلسطيني جعل كل من تسبب في مأساتهم يحس بالذنب ، وكذلك كل مقصر في دعمهم من العرب وغيرهم). إن إستراتيجيات المعارك السياسية تأتي قبل إستراتيجيات الحروب ، والإخفاق في إحكامها يكلف أضرارًا جسيمة في الأرواح ، والأملاك ، والمعنويات. ولهذا يجب أن تكون الرسالة واضحة .. تصل كل دولة وكل عضو في الوفود المشاركة في الجمعية العمومية. إمّا دولة فلسطينية بالسلم ، وإلاّ نضال حتى النصر. وإن تأييد المساعي السلمية يجنّب العالم مزيدًا من القتل والدمار والمعاناة.