لم يعدْ من المُجدي حضورُ تلك الأصوات ، التي تتربّع على مشهدنا الفكريّ والدعويّ والوعظيّ حول غُرْبة الإسلام ، والتّحذير من سقوط أهله في براثين الغواية ، وما شاكَلها من المخوّفات التي باتت خبزًا يوميًّا يقدمّه لنا بعض الغيورين من أبناء الإسلام . كما لم يعدْ مجديًا الحديث عن مظاهر أزمة العقل المسلم الفكريّة ، والخوف من الفوضى الحضاريّة ، وغزو المفاهيم الغربيّة للنسق الحضاريّ الإسلاميّ ، وغربة الإسلام المكانيّة والزّمانيّة ، وما يتبعها من حدوث الانشقاقات ، سواء كانت عقائديّة ، أو أخلاقيّة ، أو اجتماعيّة ، أو فكريّة في ظل تنامي الإسلام وثبات أركانه ، واتساع رقعته وتدافع البشريّة إليه . في دراسة حديثة بعنوان (مستقبل سكان العالم المسلمين) شفت -استقراءً- أن يبلغ عدد المسلمين 2.2 مليار نسمة بحلول 2030م ، مقارنة مع 1.6 مليار في 2010م ، ليشكّلوا 26.4 في المائة من عدد سكان العالم ، مقارنةً مع 23.4 في المائة حاليًّا ، بينما لم تكن نسبتهم في العام 1990م تزيد على 20 في المائة . وأن يتجاوز عدد المسلمين في الولاياتالمتحدة 6.2 ملايين مسلم ، ممّا يجعل عددهم مساويًا لعدد اليهود . ومن المفارقات التي أبانت عنها الدّراسة أنّ عدد المسلمين داخل (إسرائيل) -الأراضي المحتلة عام 1948م- سيرتفع إلى الربع ، فبحلول 2030م سيبلغ عدد المسلمين 2.1 مليون ، أو 23.2 في المائة من سكان (إسرائيل) دون حساب الضفة الغربية وقطاع غزة ، مقارنة مع 1.3 مليون ، أو 17.7 في المائة في 2010م ، أمّا في فرنسا فسيرتفع عدد المسلمين إلى 6.9 ملايين ، أو 10.3 في المائة من السكان من 4.7 ملايين ، أو 7.5 في المائة ، وفي بريطانيا إلى 5.2 ملايين ، أو 8.2 في المائة من 2.9 مليون ، وفي ألمانيا إلى 5.5 ملايين ، أو 7.1 في المائة من 4.1 ملايين ، أو خمسة بالمائة . إنّ القراءة العجلى لتباشير تلك الدّراسة تنبئ عن شمول العقيدة الإسلاميّة دون غيره ، فهو العامل القويّ الذي يجمع إليه النّفوس ، ويحفظ لها قوّة الإيمان ، ويستغني عن السّيف ، وعن المال في بثّ الدّعوة ، فليس الإسلام دين أمّة واحدة ، ولا هو دين طبقة واحدة ، وليس هو للسّادة المتسلّطين دون الضّعفاء ، ولا هو للضّعفاء المسخّرين دون السّادة المسلّطين ؛ ولكنّه رسالة تشمل بني الإنسان ، من كلّ جنس ، وملّة ، وقبيل . وهذا الشّمول الذي امتازت به العقيدة الإسلاميّة صفة خفيّة عميقة لا تظهر للنّاظر من قريب ، إذ لابد لإظهارها من بحث عويص في قواعد الدِّين ، وأسرار الكتاب ، وفرائض المعاملات ؛ فليست هي ما يراه النّاظر الوثنيّ ، -كما يعبر عن ذلك أحد المفكرين- أو النّاظر البدويّ لأوّل وهلة ، قبل أنْ يطّلع على حقائق الدّيانة ، ويتعمّق في الإطلاع ؛ لأن النّاظر القريب قد يدرك شمول العقيدة الإسلامّية من مراقبة أحوال المسلم ، وتصاريف معيشته ، وأداء عبادته ، لأنّه أقرب طريق ، وأعظم منال من ألف طابور من الوعّاظ، والمفكرين ، والدّعاة .