(هشام) ذلك الفتى اللطيف في روحه ، الهادىء في طبعه ، المهذب في أخلاقه ، النجيب في دراسته ؛ تعرض قبل أيام لحادث سير في مكةالمكرمة ، نتج عنه غيبوبة لأيام معدودة ، ثم صعدت روحه إلى بارئها ، الذي خلقها فسواها فعدلها ، أمره نافذ ، ولا راد لقضائه ، ولا معقب لحكمه ، ولا حول ولا قوة إلا به ، ولا ملجأ ولا منجى منه ؛ إلا إليه. أخذ هشام من الدنيا نصيبه ، واستكمل فيها رزقه ، ثم قدم على الرحيم الكريم ؛ الذي سيتولاه برحمته وعفوه وغفرانه ، فالخالق (سبحانه) ؛ أرحم به من نفسه ، ومن أمه وأبيه. كدرنا خبره ، وأحزننا رحيله ، لكنه الموت ؛ سنة من سنن الله الماضية ، التي لا تتغير ولا تتبدل ، فللخالق ما أخذ ، وله ما أعطى ، وكل شيء عند بأجل مسمى ، هكذا هي الدنيا الفانية ، وهذا هو حالها ؛ نزول وارتحال ، لقاء ووداع ، صحة وسقم ، سعادة وضيق ، فرح وحزن ، من سره زمن ساءته أزمان ، ومن ساءه زمن ستسره أزمان قادمة ، وهذه الدار لا تُبقي على أحد ، ولا يدوم على حال لها شأن. مات هشام ليعلمنا ويعلم أهله ؛ أن للدنيا تقلبات ، وفي الحياة مفاجآت ، وأن الموت سبيل كل حي ، يأتي فجأة على الصغير والكبير ، والرفيع والوضيع ، والمعسر والموسر ، والملك والمملوك ، قال تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) ، وليس لنا إلا التسليم والرضا بقضائه ، والصبر بما قدره تعالى. في الصبر أجر عظيم ، وثواب جزيل ، فالخالق (جل جلاله) يحب الصابرين : (والله يحب الصابرين) ، وهو العظيم الكريم يكون ناصراً ومعيناً لعباده الصابرين : (إن الله مع الصابرين) ، وهو الذي يعطيهم ويجزيهم بغير حساب : (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) ، وإنّ جائزة كل صابر على أي نازلة ؛ هي جنة عرضها السموات والأرض : (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاماً) ، فيا فوز الصابرين ، ويا سعادة الراضين! كان والد الفقيد الأستاذ الدكتور عبدالله بن سعيد سافر ؛ صابراً على كربة الكمد ، ولوعة الفراق ، ثابتاً ثبوت الجبال الراسيات في محنته ؛ وهو الذي يحمده في الضراء ، كما يحمده في السراء ، قال عليه الصلاة والسلام : (إذا مات ولد العبد ؛ قال الله تعالي لملائكته : قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون : نعم ، فيقول : قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون : نعم، فيقول : فماذا قال عبدي؟ فيقولون : حمدك واسترجع ، فيقول الله تعالي : ابنوا لعبدي بيتا في الجنة ، وسموه بيت الحمد) ، رواه الترمذي. فاللهم اغفر لعبدك هشام ، وجازه بالحسنات إحساناً ، وبالسيئات عفواً وغفراناً ، اللهم أكرم نزله ، وأوسع مدخله ، وأبدله دار خيراً من داره ، وأهلا خيراً من أهله ، ولا تحرمنا أجره ، ولا تفتنا بعده ، واغفر لنا وله ، واربط على قلوب أسرته ، وأمدهم بالعزم على استكمال رحلة الحياة ، يا أرحم الراحمين ، ويا أجود الأجودين.