في بعض الدول كان يطلق على الطبيب حكيما وربما تسأل عن السبب في هذه التسمية العجيبة طالما أن مهمته التعامل مع الداء والدواء ومع مرضى كل ما يبحثون عنه هو التعافي من الأمراض إلا إن كان المرض علة وفي اللغة ما يشفع لرابط متين بين العلة والمعلول والحكيم ، كما أن بعض الشهادات العليا يطلق عليها دكتوراه الفلسفة والكلمة الأخيرة هذه إغريقية معناها حب الحكمة وهنا عودة أخرى إلى الرابط بين بحث أكاديمي يقوم على التجربة والمشاهدة والوصول إلى نتيجة في اختبار فرضية ما وبين الحكمة وحبها . أخيرا يقولون : (خذوا الحكمة من أفواه المجانين) وتبحث عن مجانين تأخذ الحكمة منهم فلا تجد إلا أنصافا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء لكنهم يحشدون من حولهم الحشود ويجمعون الكاميرات والمايكروفونات كي يقولوا كلاما يحسبونه حكمة لأنهم يعرفون إلى من ينتمون ومن يجبر على الوقوف أمامهم ليأخذ عنهم ما يلقونه كيفما اتفق وتكون الثمرة مزيدا من الدمار والدماء والخراب ، في عصر الفوضى لا تجد نظاما وفي ذروة الجنون لا تحظى بحكمة وفي عصر العلم والتجربة والبرهان تحتاج إلى المزيد من الفكر الجريء والدراسة الجادة وإلى الحكمة التي هي ضالة المؤمن هو أحق بها أنى وجدها وهنا الحكمة حقا . هذا الربيع المزدهر في استعادة الحريات وإثبات الذات والفوز بالحقوق المسلوبة على مدى عقود يستحق أن يحتفى به وأن يبنى على حكمة الدين والعقل والخلق حتى لا يتسلل المرجفون إلى الصفوف فيصرفوها إلى الظلام مرة أخرى وما أشد الحاجة إلى حكماء عاملين لا مصالح خاصة لهم ولا أضواء براقة يحظون بها (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) .