من (أمِّ لُججّ) التي تعرف التاريخ، ويعرفها التاريخ معرفة الخبرة والتجربة والرحلة الطويلة ، من (أُمْلُج) وهذا اسمها بعد أن دُمِجَ على الألسن عبر الأزمان تخفيضاً ، كانت رسالة أمْنِ الوطن العزيز شعراً من خلال الأمسية الشعرية التي التقيت فيها بالجماهير الغفيرة من أهل أملج رجالاً ونساءً كباراً وصغاراً ، رسالة أمْنِ الوطن الذي يسكن قلوبنا بجباله وسهوله ، وواحاته وصحاراه الفسيحة ، بصخوره ورماله ، الوطن الذي يستقرُّ في أعماقنا بمكَّته ومدينته ورياضه وجميع مدنه وقراه وهجره شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً ، الوطن ببنيتِهِ المباركة (الكعبة المشرَّفة) وحجره الأسود ، وركنه اليماني ، ومقام إبراهيم عليه السلام فيه ، وحِجْر إسماعيل عليه السلام ، ومَطافِه ومسعاه ، بساحات حرمه المكي المبارك وأروقته ، وأعمدته ومآذنه الشامخات ، ببطحاء مكَّته المباركة وغار حراء وثور ، وجبل أبي قبيس ، بعرفاته ، ومزدلفته ، ومُناه ، بزمزمه المباركة التي تفجرتْ في لحظات حالكات عاشتها أمُّنا (هاجر) رضي الله عنها تركض بين الصفا والمروة مُصْعدةً منحدرة تبحث عن ثُقْبِ أملٍ في جدار ذلك اليوم الصيفي القائظ المخيف ، بزمزمه المباركة التي بددتْ مخاوف الأمِّ الرؤوم ، وأذهبت شبح الموت عن ذلك الطفل الصغير الذي كان يحفر بقدميه الصغيرتين في تلك الأرض المباركة قصة الأزلْ ، لتبقى شاهداً على عظمة الله سبحانه وتعالى إلى أن يرث الأرض ومن عليها . كانت رسالة أمن هذا الوطن من أُمْلج التاريخ التي علَّمتْ أمواج البحر معنى الهدوء ، وضمَّتْ شواطئه النقية الصافية الهادئة منذ آلاف السنين ، كانت رسالة أمن الوطن عنواناً اخترته للأمسية الشعرية تعبيراً عن تلاحمنا الكبير ديناً وأرضاً وتاريخاً عريقاً ، ورعيَّة وشعباً ، وتوكيداً لمعاني الوحدة الراسخة المنبثقة من راية ترفرف حاملة كلمة التوحيد الخالدة (لا إله إلا الله ، محمد رسول الله) . وكان الشعر في (أملج) مبتهدجاً الابتهاج كًله ، لأنَّ الجمهور كان متفاعلاً التفاعل كُله ، متذوقاً التذوُّق كله ، ولأن أمواج البحر الهامسة كانت تختلط مع حفيف سعف النخيل الذي عقدتْ بواسقُه حِلْفاً قديماً مع البحر ، فهي تنبت على رمال شواطئه في صورة بديعةٍ تجمع بين النخل والبحر جَمعا يندُر أن تشهده شواطئ البحار، أقول: كانت همسات الأمواج تختلط مع حفيف النخل ، ليبتهج بها قلب الشعر ، وقلب قائله ومُلقيه ، وقلوب مستمعيه ومتذوقيه . كانت الأمسية نشاطاً من مناشط المهرجان الكبير الذي أقامه المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد بإشراف وزارة الشؤون الإسلامية تحت عنوان (أخلاقي حياتي) وهو مهرجان متعدِّد الجوانب ، متميز الإعداد يخاطب سكان أملج وما حولها من كبارٍ وصغار ملبياً ما يحتاج إليه هذا التنوع في الجمهور ، فمن محاضرة ، إلى أمسية شعرية ، إلى حفلاتٍ إنشادية ، إلى مسابقات وجوائز ، إلى دوري رياضي سيكون ختامه فوزاً بكأس (الأخلاق) إلى برامج للأطفال رأيتهم مبتهجين بها ، فرحين بما فيها من المرح الموجَّه ، وبما يحيط بها من حنان المربين والمربيات . مهرجان خطط له ونفَّذه مجموعة من رجال أملج ونسائها الفضلاء والفُضليات ، وفي مقدمتهم الأخ الكريم الشيخ محمد السيِّد إمام أحد المساجد الكبرى في أملج. (أخلاقي حياتي) موضوع مهم في هذه المرحلة من حياة الناس التي تعاني من (أزمة أخلاق) نلمسها جميعاً ، وإنما الأمم الأخلاق -كما نعلم- ورسولنا صلى الله عليه وسلم بُعث متمماً لمكارم الأخلاق وصالحها فما أجمله من موضوع ، وما أعظمها من رسالة . بين زيارتي السابقة لأملج التي تبعد عن ينبع حوالي مائتي كيلومتر ، وتجاور (الحوراء) المذكورة في كتب التاريخ والسيرة النبوية ، وتشكِّل قبيلة (جهينة) قاعدتها السكانية العريضة مع عدد من قبائل أخرى ، أقول: بين تلك الزيارة السابقة قبل ثماني سنوات وهذه الزيارة مساحة كبيرة من التطور العمراني ، والتعليمي ، والخدمات المختلفة ، لاسيما الطرق المزدوجة ، ولكم سرَّني هذا التطور الواضح الذي نرجو له أن يستمر ويزداد في أملج وغيرها من أجزاء بلادنا الغالية . إشارة : هنا (أُمُّ لُجٍّ ، أو إذا شِئْتَ أُمْلُجُ=بأشواقها رَمْلُ الشواطئ يَلْهَجُ