هناك أسئلة كثيرة يمكن طرحها حول السعودة ، فهناك في الواقع ما يثير الدهشة ويدعو للحيرة في موضوع السعودة هذا ، وإليك الأنموذج التالي: في المنطقة الشرقية وبين موقعين لا يفصل بينهما أكثر من خمسمائة متر لابد أن تجد ما يلفت نظرك ، في معرض شركة السيارات الكبرى (صالة البيع) لا يوجد سعودي واحد يقوم بهذه المهمة ، مهمة بيع سيارة ، فكل العاملين من الإخوة العرب ، وهم للموضوعية والأمانة شباب مهذبون ، يعرفون ما يفعلون ، ويتفانون في خدمة الزبون بطريقة راقية ، ويجيدون الكثير من فنون الإقناع بالسلع التي أظن أن لهم نصيبا أو مكافأة كلما نجحوا في بيع سيارة أو أكثر ، مع أن من أراد شراء سيارة نقدا أو بالتقسيط لا يحتاج إلى كبير جهد لإقناعه ، وقريبا من المعرض مكاتب إحدى شركات التأمين التي لا يعمل فيها سوى السعوديين ، جميع العاملين سعوديون باستثناء عمال الخدمات ، وعددهم ليس قليلا ، بل لا يقل عن عدد أولئك الذين تراهم في معرض بيع السيارات ، هؤلاء الشباب السعوديون هم أيضا متميزون بالخلق الرفيع والكفاءة والتهذيب ، والجميع هنا في الشركة وهناك في المعرض يتعاملون بكفاءة مع التقنية الحديثة ، لكنني أظن أن العمل في شركة التأمين أصعب قليلا من نظيره في بيع السيارات ، فكيف نجحت شركة التأمين في السعودة ولم تفعل ذلك شركة بيع السيارات ، وأكرر بيع السيارات وليس التصنيع ولا الصيانة ، وأقصد من هذا التكرار التأكيد على بساطة المهمة فليس معقولا أبدا وتحت أي ذريعة أنه لا يمكن تشغيل شباب سعوديين في هذه المهمة التي كما يبدو من جنسيات العاملين فيها أن رواتبها وحوافزها معقولة إن لم تكن مرتفعة ، وليست من تلك المهن التي نزعم أن شبابنا لا يقبلون عليها لتدني دخلها أو لطبيعتها المهنية. النظام يلزم الشركات والمؤسسات بنسبة معينة في السعودة ، وهذا يصلح في تلك الشركات التي يتطلب عملها نوعية مهنية معينة تحتاج تدريبا وتأهيلا رفيعين أو نادرين ، أو عمالة عادية مثل النظافة وما شابهها مما لا يقبل عليه السعوديون حتى الآن، أما تلك التي لا يختلف نشاطها عن معرض السيارات أعلاه ، فأظن أن فرض السعودة الكاملة لا يضرها ويخدم المصلحة الوطنية العامة ، فأبناء الوطن أولى بالعمل في وطنهم ، ولا يصح أن نظل نشكو من البطالة وهذه الوظائف المتاحة مشغولة بغير شبابنا. إن فرض السعودة بقوة النظام في هذه القطاعات ومعها قطاع التجزئة والبقالات الصغيرة (هنا نحو مائتين وخمسين ألف وظيفة حسب رئيس اللجنة الوطنية التجارية يسيطر عليها الأجانب بنسبة 80%) سيساهم بفعالية كبرى في القضاء على البطالة بين الشباب ، سيما وأن هذه الأخيرة – التجزئة والبقالات – يملكها سعوديون متسترون على أجانب لأنهم لا يريدون أن يعملوا بأنفسهم ، فإذا فرضت عليهم السعودة سيضطرون لبيعها أو إلى الشراكة مع الشباب أو على الأقل تشغيلهم بنفس طريقتهم في التستر ، حلول السعودة كثيرة والمهم الجدية والحزم في التطبيق ، وإلا سنبقى ندور في حلقة مفرغة ، حيث الوظائف متوفرة والبطالة تتصاعد.