تطل مصر على العالم من جديد ؛ لتؤكد أنها لا تزال كما كانت أم الدنيا ، وأن الحضارة التي بنتها ، والتاريخ الذي صنعته ، واليد التي كانت لها على كثيرين لا تزال في أوج مجدها، وذروة عطائها. خرجت مصر إلى ميدان التحرير ، فبات اسمًا على مسمّى ، وأصبح في كل مدينة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ميادين تحرير ، تزخر بالمنادين بالتحرر وبالحرية ، ولكنه النداء الذي يقطر سلامًا ، وعذوبةً ، وأمانًا. لولا أولئك البلطجية الذين زج بهم القابضون على زمام الفساد ، لكانت المطالبات نشيد سلام ، يتعلّم منه الآخرون أن الحرية كما تُنال بالأيدي المضرّجة بالدماء في تعريف شوقي : وللحرية الحمراء باب=بكل يد مضرجة يدق فإن لها أيضًا يدًا ترتفع إلى عنان السماء ، تلامس الشمس ، وتقول لكل مَن يكمم الأفواه ، ويسلب الأقوات ، ويخنق الحريات : كفاية. شباب مصر -بنين وبنات- يعيدون كتابة قصيدة حافظ إبراهيم التي شدت بها أم كلثوم (مصر تتحدث عن نفسها) ، إنها حقًّا تقف تبني عجائب الدهر أمام الناس الذين انصرفوا إلى الشاشات يراقبون أسلوبًا راقيًا في التحرر ، ومنهجًا رائعًا في إسماع مَن أعمتهم السلطة ، وأصم آذانهم ضجيج المديح الزائف. من أهم مبادئ القيادة في إدارة المؤسسات -سياسية ، أو اقتصادية- تفويض الصلاحيات ، وتدوير السلطات ، والإدارة بالمعاينة ، وبالأهداف ، والشفافية ، لأن القيادة أولاً وآخرًا هي : المسؤولية ، ومَن لا يضع نفسه تحت طائلة المساءلة ممّن يتولّى أمورهم ، لا يصلح أن يكون قائدًا ، ولعلّ أجمل مَن اختصر هذا المفهوم غاندي في الهند ، ومانديلا في جنوب إفريقيا. ميدان التحرير هو وجهة العالم اليوم ، وربما كان أحد المعالم التي تستحق أن تكون من أهم الأماكن المرشحة للزيارة والتعريف به في ثقافة إسماع الصوت ، وإبداء الرأي في الغد.