لم أعلم بخبر وفاته إلا بعد أيام من رحيله عن هذه الدنيا ، وهكذا نحن في هذه الحياة ، نغدو ونروح إلى حاجاتنا ، وتستغرقنا أعمالنا ، ونجتهد في ترتيب وسائل استقرارنا في بيوتنا وأعمالنا ، وفي توفير أسباب الراحة لنا ولأهلنا ، ونظل نوغل في هذا الطريق ، فما نصحو إلا على خبر يهز نفوسنا ، ويحرك قلوبنا ، ويعيدنا إلى المربع الذي لا يتغير (مربع الموت) الذي يرحل بالإنسان رحيلاً طويلاً عن كل ما تعب في بنائه وتوفيره ، وترتيبه وتطويره من وسائل هذه الحياة الفانية. أذكر أول لقاء بالشاعر الأديب ، المؤرخ الاستاذ الفاضل عبد الرحمن بن ناصر بن إبراهيم العبد الكريم في نادي المنطقة الشرقية الأدبي حينما أحييت أمسية شعرية في النادي ، دعاني إليها بصفته رئيساً ، وكان هو مقدم الأمسية - رحمه الله - وتوثقت الصلة به أدبياً وثقافياً وصداقة وإخاء ، ومشاركة روحية في هموم الوطن والأمة والدعوة ، وسعدت بالمشاركة معه في أمسيات شعرية متعددة ، نكون فيها - أحياناً - مشاركين لأستاذنا الفاضل الشاعر أحمد فرح عقيلان - رحمه الله -. حينما أصدر ديوانه (يا أمة الحق) عام (1414ه) هاتفني يخبرني بصدوره قائلاً: لقد استوحيت عنوان هذا الديوان من عنوان ديوانك الأول (إلى أمتي) وديوانك الذي صدر أخيراً بعنوان (يا أمة الإسلام) ، فقلت له: نحن ننتمي إلى أمة واحدة ، ويكمل بعضنا بعضاً ، ثم شاركته بعد ذلك بشهور في أمسية شعرية وفاجأني بإعادة ما قاله لي على مسامع الجمهور ، قائلاً: أنا رجل معني بالتاريخ وكتابته ، وإنما أدخل إلى عالم الأدب والشعر من بوابة التفاعل مع ما أسمعه من قصائد الشعراء ، أو اقرؤه في دواوينهم ، فهم الذين يحركون قريحتي ، ويفتحون أبوابها. كان التواضع سمة بارزة في حياة الأستاذ عبد الرحمن رحمه الله ، وكان حريصاً على التواصل المستمر مع أصدقائه ومعارفه ، وكم تلقيت منه اتصالاً هاتفياً أسعد به في حينه سعادة أرجو ألا يحرمه الله سبحانه وتعالى أجرها ، لأن إدخال السرور على قلب المسلم من الاعمال الجليلة التي أوصانا بها حبيبنا صلى الله عليه وسلم. عبد الرحمن بن عبد الكريم العبيد ، من مواليد مدينة الجبيل عام (1353ه) ، كان رئيساً لنادي المنطقة الشرقية الأدبي ، وأظنه أول رئيس للنادي ، صدرت له مؤلفات متعددة ، منها ما هو متعلق بتاريخ المنطقة الشرقية مثل كتاب (الجبيل ماضيها وحاضرها) ، ومنها ما هو متعلق بالخليج العربي مثل (الأدب في الخليج العربي) وله من الدواوين (في موكب الفجر) و (يا أمة الحق) كما أن له كتاباً بعنوان (أصول المنهج الإسلامي). حدثني ذات يوم عن شعوره بالألم من هجوم بعض الصحفيين عليه ، وكان متأثراً من قسوة وإيذاء لا مسوغ لهما ، ولا فائدة من ورائهما ، فقلت له: إن الحياة لا تخلو من ذلك أبداً ، وأنصحك بعدم الالتفات إلى أي قول أطلقه قائله للإساءة والتجريح ، ولم يرد به الحق ، والنقد البناء النزيه ، فإن تجاهله هو الأسلوب الأمثل ، وتذكر - دائماً - أن أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم قد أوذي بأقوال وأفعال من أهل الباطل ، فما التفت إليها، ولا شغلته عن رسالته وهدفه الأسمى. رحم الله الشاعر الأديب الأستاذ عبد الرحمن عبد الكريم العبيد ، وأحسن الله عزاء أهله فيه ، وجمعنا به وبالأحبة في جنات النعيم. إشارة: يقول الأستاذ عبد الرحمن في قصيدته (يا أمة الحق): إني أحب كريم النفس معتصماً=بالله ملتمساً عفواً وغفرانا