(ومعظم النار من مستصغر الشرر) ، هكذا يقول الشاعر ليحذر من إهمال الشرر الصغير الذي ينتج نارا عظيمة تأتي على الأخضر واليابس ، ولا تدع شيئا يستفاد منه. الاضطرابات التي بدأت في بعض دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا احتجاجا على ارتفاع الأسعار وتدني الأحوال المعيشية وتفشي البطالة هي الشرر العظيم الذي تكون نيرانه قلاقل واضطرابات لا تتوقف عند حد ، وتزهق أرواح وتهدر ممتلكات وتخلف أحقادا وجراحا. هذا الشرر المتطاير كان صغيرا في التقارير المتتالية منذ زمن متمثلا في تآكل الطبقة المتوسطة وتضخم الطبقة الدنيا ، وانتقال بعض أفراد المتوسطة إلى المترفين ليس بالعمل والبناء بل بالسرقة والرشوة وأكل المال العام. ليس غريبا أن تصل الأمور بالشباب وغير الشباب إلى أن يوازنوا بين الموت فقرا وجوعا وذلا أو الموت في ساحات المواجهة والمطالبة بالحقوق التي تغافل عنها المنشغلون بأنفسهم والمحسوبين عليهم. إن كان للأوطان كرامة وللمواطنين قيمة وللمستقبل حساب في ضمير من تطاولوا على المال العام والوظيفة العامة وحقوق الآخرين في تلك الدول فقد يكون هناك فرصة محدودة لتدارك الأمور ، ولو من قبيل الأنانية التي تدفع البعض إلى الحفاظ على القارب من أجل البقاء على السطح. غير أن النزعة الطغيانية قد تسكر أصحابها في تلك البلدان فيغفلون عن الواقع المرير لأن مخيلتهم لا تجعلهم يبصرون أو يسمعون إلا ما يحبون وتكون النهاية المؤلمة لأوطانهم وأهلها.