لست متخصصًا في البيئة لا البرية ولا البحرية ، لكنني أرجو أن يكون أمير جازان الأمير محمد بن ناصر قد قرأ التحقيق الذي نشرته (الوطن) يوم الاثنين الماضي حول ما تقوم به (أمانة جازان) من ردم لشواطئ البحر. يقول متخصصون في التحقيق المشار إليه إن عملية الردم (دمرت الكثير من أماكن توالد الأسماك والروبيان ، وأشجار الشورى ، والكثير من الكائنات البحرية ، مع ما تبع ذلك من حرمان صيادي الأسماك) ، ويقولون: (إن حجج الأمانة في هذا الردم واهية) ، ويقولون: (إن الأمانة ردمت دون موافقة اللجنة الرباعية المتخصصة التي شُكلت لهذا الأمر). (أمانة جازان) قالت: (إن الأمير وجه بالبحث عن موقع مناسب ليكون ساحة للاحتفالات الشعبية وتم على هذا الأساس اختيار الموقع ، وردمت الشواطئ لتهيئة المكان ، مؤكدة أنها أخذت موافقة اللجنة الرباعية). رئيس المجلس البلدي قال كلامًا مختلفًا عن كلام الأمانة ، قال: (الردم لتأهيل أماكن استثمارية لاستقطاب المستثمرين ، وإنشاء أماكن عامة للمواطنون) ، وهناك فرق بين استقطاب المستثمرين ، والأماكن العامة وبين ساحات الاحتفالات فالاحتفالات ليست يومية. لقد رجوت في البداية أن يكون أمير جازان قرأ التحقيق ، لا ليسمع مباشرة من المختصين الذين تحدثوا عن أضرار الردم على البيئة البحرية ، ولا ليتأكد هل اللجنة وافقت أم لا ، فعملية الردم تمت وقضي الأمر ، ولكن ليحمي المنطقة المردومة من الجشعين الذين لا تعنيهم البيئة البحرية التي دمرت ، ولا يعنيهم المواطنين الذين يتطلعون إلى البحر كفرصة وحيدة للنزهة المجانية. لقد ردمت أمانة (جدة) منذ بضعة عقود مئات الكيلومترات من البحر كما هو معروف ، وردمت معه أحلام الناس في رؤية البحر ، إذ لم يعد لهم الآن من تلك المساحات الهائلة المردومة إلا ما يبعث على الحزن المقيم ، فقد كانت (المنح) تسابق جهود الردم ، وكان جشع التملك يسابق الأسماك الهاربة ، ويفوق خصوبة توالد الفئران التي أصبحت تشارك المتنزهين في مساحة اللسان المتبقية المسماة (كورنيش) ، هذا عدا (المسك) الذي ينبعث كلما هبت الريح أو تصاعد مدّ البحر. فضت (أمانة جازان) بكارة الشواطئ ، وردمتها بالتراب والصخر ، ولا بأس ، فهي ليست أول مردوم ، وربما لا تكون الأخير ، وكأن أرض المليوني كيلو متر مربع ضاقت بناسها ليطردوا الكائنات البحرية. أقول لا بأس من الردم ، لكن من المهم ألا تردم معه أحلام المتطلعين إلى رؤية البحر واستنشاق عبيره ، وبثه همومهم كلما ضاقت بهم هموم الحياة ، أولئك العاجزون عن امتلاك أو استئجار الشاليهات يرجون أمير جازان أن يحمي الشواطئ المردومة ، وتلك التي تنتظر الردم ، من تغوّل المستثمرين ، وجهل الأمانة ، وفي (بحر جدة) ملايين العبر.