جربنا ومازلنا نجرب التنسيق بين الجهات الحكومية المعنية بتنفيذ البنية التحتية، والنتائج ليست مرضية إن لم تكن في بعض الأحيان مؤسفة، إذ تجد كل جهة ترمي تهم التقصير على الأخرى، ولا أظن أحدا ينسى حفريات الشوارع والطرقات التي ما أن تنتهي منها جهة حتى تبدأ أخرى، وكل جهة حجتها جاهزة، فهي تريد تنفيذ مشاريعها لخدمة المواطن، والمواطن يتساءل لماذا لم تتفق كل الجهات التي تسعى لخدمته وتحفر مرة واحدة بدلا من تنكيد حياته طيلة الوقت بالحفريات، وهذا مجرد مثال من أمثلة تترى كل يوم، فطفح المستنقعات في جدة أصبح مسؤولا عن نفسه، بعد أن تحول إلى قضية تتنازعها ثلاث جهات – البلدية والمياه والطرق -، وقرأت مطالبة أمين الدمام لإدارة الطرق في المنطقة بمعالجة مشاكل الازدحام المروري في تجمع الكباري عند مدخل أرامكو والشكوى لم تصل للصحف إلا لأن التنسيق أصبح في خبر كان، وعلى ذلك يمكن القياس في مختلف المدن والمحافظات، فهناك مشروعات كثيرة تتوقف أو تتعثر بسبب شماعة التنسيق وعدم تجاوب الجهات مع بعضها وحاجتها لإنشاء اللجنة تلو اللجنة، أو تدخل جهات عليا لفض الاشتباكات وفض الخلافات، وتوقيع الاتفاقيات، الأمر الذي يؤكد أن هناك خللا رئيسيا لم يتم الالتفات إليه، أو أنه من المسكوت عنه في هذه المعمعة التنموية التي تتطلب جهدا مضاعفا واستغلالا للوقت والفرصة، وفي نظري أن الخلل إداري ضخم، وهو قديم قدم التنمية في بلادنا، ويكمن في تنازع الصلاحيات وتباين الاعتمادات المالية بين مختلف الجهات الخدمية في المدينة أو المحافظة الواحدة، ودعوني أوضحها بصورة أخرى من خلال الصورة التالية، تصوروا لو أن أمانة أو بلدية المدينة مسؤولة مسؤولية كاملة عن توفير البنية التحتية لجميع الخدمات الأخرى، بمعنى أنها مسؤولة عن تخطيط المدينة وعن توفير شبكات الماء والكهرباء والمجاري والهاتف، والمباني المدرسية والمراكز الصحية وكل ما تحتاجه الحركة المرورية والنقل الداخلي، وغير ذلك من الخدمات التي قد أكون نسيتها، ثم تكون الجهات الأخرى تنفيذية لخدماتها، بمعنى أن على شركة الكهرباء توصيل الخدمة بعد أن تكون البلدية أوصلت تمديداتها لكل وحدة سكنية، وهكذا المياه والهاتف والصرف الصحي ووزارة التربية والصحة وغيرها، بحيث تجد كل جهة مطالبها الأساسية متوفرة، وأي خلل في هذه المتطلبات تتحمل مسؤوليته جهة واحدة هي البلدية بدلا من توزع دمه بين قبائل الإدارات البيروقراطية التي يهم كل منها تبرئة ساحتها من المسؤولية وتحميلها على غيرها. إنني أعرف أن هذه الفكرة سهلة جدا ويمكن تطبيقها لو أردنا اختصار الوقت والجهد وتوفير المال وتحقيق نتائج أفضل، وصعبة جدا لأنه لا أحد من البيروقراطيين يريد أن يتنازل عن صلاحياته التي اكتسبها عبر الزمن، والأصعب من ذلك أن هذا الأمر يتطلب قرارات إدارية عليا تحتاج إلى دراسات ولجان واجتماعات يقوم بها ذات البيروقراطيين الذين يرفضون الفكرة من حيث المبدأ والسلام.