اتصل بي أستاذ جامعي صديق قائلاً: إن كنت قريباً من جهاز تلفاز فأسرع بفتحه على قناة كذا، وتابع مسابقة ثقافية عن السيرة النبوية، واصبر على متابعتها لتتعرف على مستوى شباب أمتنا. وفعلت ما طلب، فكانت المفاجأة، وكانت الصدمة، فحفصة رضي الله عنها أصبحت بنت عمر بن عبدالعزيز في إجابة شاب جامعي، وحينما قال له المقدم ليتأكد من الأمر، عمر بن عبدالعزيز، أم عمر بن الخطاب؟ سكت الشاب حائراً، فقال له: أيهما مات قبل الآخر؟ فزاد الشاب حيرة، أما أبوطالب فهو «صحابي» في رأي شاب آخر، ولهذا ألحق اسمه بكلمة «رضي الله عنه» وحينما صحح مقدم البرنامج المعلومة، ظهر التعجب بارزاً على ملامح الشاب. وتذكرت في تلك الحالة ما أخبرني به بعض أساتذة الجامعات الذين يشاركون في مقابلات الطلاب المتقدمين إلى الجامعة «مقابلات القبول»، ومنهم الدكتور الإعلامي «أحمد بن راشد السعيِّد» من إجابات غريبة جداً من أبنائنا وبناتنا فيما يتعلق بتراثنا الإسلامي، وتاريخنا، ورموزنا الإسلامية البارزة، فآمنة أم النبي عليه الصلاة والسلام من أمهات المؤمنين في ثقافة أحدهم، ونهاوند اسم فنان أجنبي، وما شابه ذلك من الإجابات التي ذكرتني بإجابة أحد الشباب لي في إحدى الدورات التدريبية حينما سألته عن «قُسِّ بن ساعدة الإيادي» سؤالاً مرتبطاً بموقف في ذلك اللقاء، فأجاب -بعد تفكير- بأنه يتوقع أنه قد شاهده في إحدى حلقات برنامج فضائي حواري معروف، وحينما أخبرته عن أن الإيادي خطيب عربي شهير قبل الإسلام، ضحك ذلك الشاب بملء فمه قائلاً: «اعذرني، ما سمعت به من قبل». فدعتني إلى كتابة هذه السطور رسالة وصلتني من إحدى الأخوات تقول: كنت قبل أيام أشاهد برنامجاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد صدمتني إجابة أحد المتسابقين من الشباب عن سؤال يقول: ما اسم أم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الشاب: «زينب بنت جحش» وحينما كرر عليه المقدم السؤال، اعتذر بأنه لا يعرف إجابة أخرى، كما صدمتني إجابة متسابق آخر عن سؤال موجه إليه عن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم حيث ذكر من بينهن «صفية بنت عبدالمطلب»، ثم قالت صاحبة الرسالة: ألا ترى أننا بحاجة إلى تكثيف عرض سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، حتى نبني ثقافة إسلامية تاريخية دينية صحيحة في عقول أجيالنا؟. وأقول: إن هذه من المشكلات التي تحتاج إلى تضافر جهود الجميع لمعالجتها، ولن يتم ذلك إلا بربط أجيالنا بثقافتهم الإسلامية ربطاً متواصلاً عن طريق المنزل، والمسجد، والمدرسة، ووسائل الإعلام، والنوادي، والمراكز الصيفية، لأن هذا الربط يبني شخصيات قوية من حيث الإيمان والانتماء، ومن حيث حمل رسالة الإسلام إلى العالم بصورة صحيحة مهما كان تخصص حامل هذه الرسالة، فالسياق التاريخي داعم قوي لبناء علاقة متينة بين الإنسان وقيمه وتاريخه، ومبادئه، وأصالته العربية الإسلامية التي يواجه بها ثقافات العالم كله بوعي وبصيرة، ومقدرة على التفاعل الإيجابي الذي يقوم على أخذ الجيد المفيد مما لدى الآخرين، وترك مالا يفيد، ولو أن كل بيت مسلم -في ظل توافر مصادر المعلومات وسهولة التعامل معها والإفادة منها- وضع له برنامجا لجلسة عائلية قصيرة لا تتجاوز ساعة واحدة في الأسبوع، يجتمع فيها أفراد العائلة على قراءة نافعة في السيرة النبوية وغيرها من الموضوعات المرتبطة بالقرآن والسنة وتراثنا الإسلامي، لاستطعنا أن نرفع من مستوى ثقافة أجيالنا الإسلامية، مقابل ثقافتهم الرياضية الطاغية، التي تجعل لاعباً في منتخب أوروبي، أو إفريقي أو أمريكي أقرب إلى عقول أبنائنا وبناتنا من صحابي جليل، أو علم من أعلام الإسلام المشاهير. هذا ما يمكن أن يقوم به كل بيت مسلم، فليت هذه الجلسة العائلية المقترحة تكون التطبيق الأول لمعالجة ضحالة المعلومات الشرعية والتاريخية لدى عدد لا يستهان به من أبناء وبنات المسلمين، فإن في هذا تطويراً لذوات أجيالنا، وتحصينا لهم من سيطرة أسماء عصرية مشهورة، لا تصلح أن تكون قدوات لهم، مهما كانت مهارات أصحابها الرياضية والفنية. إشارة: أنا بالذي صَلُحَتْ به أسلافنا=أسمو إلى رُتَبِ الكمال وأَصْلحُ