لازال ابن القرية يتقلب في البدايات على الرغم من تلك النقلة الهائلة في مشهد حياته العام ، فالبيت الحديث ، والسيارة الفخمة ، والطرق المعبدة ، ووسائل الاتصال عن قرب وعن بعد ، والفضائيات السيارة ، ومواد استهلاكية في غير موسمها من شتى بقاع الدنيا ، لم تحدث ذلك الفارق المتوقع بين شخصيته القروية الفطرية التابعة ، وبين الشخصية المؤمل فيها الانتقال لمرحلة تطور الأجيال ، ففي الوقت الذي كان فيه لا يُسأل عن رأيه في شؤون الأسرة ؛ لأن (الشيبة) يمسك بزمام الأمور بما فيها المالية ، وتكاثر أفراد العائلة بحسبان زيادة عدد العمالة المنزلية على الطريقة القروية ، أضحى منتهى طموحه مواصلة تلك الخصومات الموغلة في المكابرة ، ورفع الشكاوى ، والتظلمات من الأجهزة الحكومية في منطقته ، وغير ذلك مما يُسمى لدى الأجهزة الأعلى إزعاج السلطات بالشكاوى الكيدية . ولا أخال أحدنا إلا وقد اكتوى بنار القطيعة وغيره كثير ، كما عانى من توارث التقاضي أمام المحاكم من أجل آراضٍ أضحت زرعاً للزقوم ، بعد أن كانت تنبت بما يُشتهى من الحبوب والفواكه . بالتأكيد ليست المشكلة في تفرد (الشيبة) بمقاليد الأمور ، فهناك اختطاف لم يتصدى له ابن القرية المتحضِّر مرة باسم الجهاد في أفغانستان وتخوم الشيشان ، ومرات من باب الصحوة الواسع ، حتى أضحى ابن القرية لغماً يمكن تفجيره بالهاتف الجوال . وهناك طبيعة لم تتغير كثيراً في ابن القرية الساكن أعالي الجبال ألا وهي ضيق الأفق التي يتبعها ضيقة الصدر ، فدمه الحار لايمكن تنفيسه إلا بضربة مسحات تنقلب بعدها الأرض تحت قدميه وقد ارتوت بعرق جبينه ، أو تخضب يداه بدماء جاره من أجل تلك الأرض . وهناك تقصير من المتعلمين من أبناء القرى في الانقلاب على الخصومات ، والتعالي على ماخلفته من ندب في أواصر العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة والقرية بعوائلها المترابطة شكلاً ، والمشحونة باطناً بأمور دنيوية تافهة ، مع أنهم يتقدمون واجهات الصحف والمجلات برؤاهم الاجتماعية المتنورة والوطنية في أزهى صورها . إن من يتأمل حال ذلك القروى الموهوم بالتحضُّر يستنكف أحدنا الدخول معه في مجادلة بالتي هي حسن في أمر ديني مما اختلف بشأنه العلماء منذ مئات السنين ، بينما ينقلب إلى تلك الخصومات والقطيعة دون أن يكترث بأن مايتعصب له ديناً يهناه عنها ، والله المستعان . ---------------------------------------------------------- للتواصل المباشر مع الأستاذ تركي بن عتيبي الغامدي [email protected]