هنالك ملايين المسلمين في وسط آسيا مروا بمراحل مختلفة في القرون المتأخرة، كل مرحلة منها تحمل من صور المعاناة ما تنهدُّ له الهمم العالية، وتنوء بثقله العزائم القوية. وفي قرغيزيا منذ أكثر من أسبوع صورة من صور تلك المعاناة المؤلمة قتال شديد بين القرغيز والأوزبك، وكلهم مسلمون، مع الأسف الشديد وقد تجاوز عدد القتلى المعلن عنهم رسمياً مائتي قتيل، وهنالك أخبار غير رسمية تؤكد أن القتلى أضعاف هذا العدد المذكور، أما الجرحى فقد تجاوزوا الألفين. بدأت المعركة في مدينة (أوش) ومقاطعة جلال أباد في جنوب قرغيزيا منذ انهيار نظام الرئيس (كرمان بك باكييف) بعد أن أطاحت به انتفاضة شعبية، وتولت الرئاسة بعده مؤقتاً (روزا أوتونبايفا) الموالية للحكومة الروسية، وقد تلقت دعماً مباشراً من روسيا، مع أن علاقة الحكومة السابقة بالغرب - خاصة أمريكا - علاقة قوية، ولكن سراديب السياسة تخفي ما لا يعرفه كثير من الناس. ولعل من أفضل ما كتب من تحليلات سياسية حول هذا الموضوع ما كتبه المحلل السياسي لجوَّال (فكر) الذي قال: تمثل دولة أوزبكستان الثقل الثقافي للجمهوريات الإسلامية في وسط آسيا فهي بلد البخاري ومسلم - رحمهما الله - وقد تعمد الاتحاد السوفيتي اقتطاع جزء من أوزبكستان وإضافته لقرغيزيا لإضعاف الأوزبكيين من جانب ولزرع مناطق خلاف تشبه القنابل الموقوتة من جانب آخر، ولكن عكس ما كان يريد السوفيت قد حصل، فقام الأوزبك بنشر الدين، والثقافة الإسلامية في قرغيزيا، ولكن شعور القرغيزيين بأن الأوزبك قد أقحموا في مناطقهم جعلهم يشعرون بعدم التآلف معهم منذ أن انضموا إليهم بتخطيط وإصرار من حكام (الكرملين) والآن جاء الوقت الذي استغلت فيه القوى الدولية هذه الثنائية السكانية المتنافرة، فأشعلت نيران الحرب الأخيرة مقابل صمت وتجاهل واضح من أمريكا والغرب، إلا من بعض عبارات الاستنكار الهادئة التي تؤكد ما يراه بعض المراقبين السياسيين من أن هنالك تفاهماً غربياً روسياً على ما جرى بحيث تبسط موسكو بموجبه نفوذها في قرغيزيا عن طريق الانقلاب الأخير، مقابل أن تؤيد روسيا عقوبات الغرب ضد إيران وهذا الرأي هو الأرجح لأن الموقف الروسي من إيران يؤكده من جانب، ولأن أمريكا سكتت عن الانقلاب الذي حدث على الحكومة المتحالفة معها ومع الغرب وسكتت عن الفتنة التي اشتعلت في الجنوب وذهب ضحيتها عشرات القتلى والجرحى من المسلمين من جانب آخر فصدق على الغرب وروسيا ما ورد في الحديث (الفتنة نائمة لعن الله موقظها). لقد قصرت الدول العربية - كعادتها - في اغتنام فرصة انهيار ما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي، وتهاونت بالأوضاع في تلك الدول الإسلامية التي خرجت منهكة القوى بعد سنوات طويلة من التسلط السوفياتي القاسي. حرب في جنوب قرغيزيا شرَّدت أكثر من نصف مليون مسلم، وما تزال الإغاثة العربية الإسلامية دون المأمول بكثير، نسأل الله أن يصلح أحوالهم، ويبصِّرنا بواجبنا. إشارة تعدَّدت يا بني قومي مصائبنا=فأقفلت بابنا المفتوح إقفالا