لا توجد أمة متحضرة بدون قانون ، مقولة نسمعها دائماً عبر وسائل الإعلام المختلفة ولا نلقي لها بالاً ، على الرغم من أن الحضارات القديمة قبل الحديثة منها طبقت هذه المقولة بحذافيرها ، فالقانون بإعتباره مجموعة من الأوامر والنواهي التي تنظم حياة المجتمعات ركن أساسي في قوام أي مجتمع متقدم ، وإحترام القانون وأعراف المجتمع إحدى الحسنات الكبرى للحضارة الغربية والتي ينأى المقلدون عن اتباعها أو ربما يفكرون في العمل بها إن كانت ستحقق لهم مصالح شخصية أو ستساعدهم في إخراج المجتمع من حالة الجهل كما يرون. إحدى أهم مصادر التشريع في القانون تتمثل في العرف ، وكلمة العرف يختلف معناها كثيراً بين الناس وبين ما اتفق عليه فقهاء القانون عند تعريفهم لمصطلح العرف ، فبعض الناس يعتقد أن كلمة العرف هي المصطلح الأنسب لتعليق أي أمر يعتقدون فيه درباً من دروب التخلف والرجعية وعدم احترام حقوق الغير ، بينما المعنى الحقيقي للعرف والذي اتفق عليه فقهاء القانون هو مجموعة من القواعد والأوامر التي درج الناس على ممارستها دون مخالفة للأنظمة واللوائح المتبعة في البلاد مع اعتقادهم التام بالزامية هذا العرف ، وهذا هو التعريف الذي درج عليه الفقهاء وعلى رأسهم الفرنسيون أصحاب الفكر القانوني الحديث ، والذين استمدوا نصاب فكرهم أصلاً من الفقه الإسلامي. والمتأمل في تعريف العرف يرى بأن العرف مرتبط بعنصرين أساسيين ، أولهما عدم مخالفته للأنظمة واللوائح وثانيهما هو اعتقاد المجتمع بإلزامية هذا العرف ، ومن خلال ذلك نكتشف بأن العرف يكون في مرتبة أقل من الأنظمة والتشريعات ، وفي مرتبة أعلى من اجتهادات الفقهاء وأفراد المجتمع ، ومن الأمثلة البسيطة جداً على تطبيق العرف في المجتمعات الأوربية مسألة النقاب ، فالدول الأوربية الكبرى وعلى رأسها فرنسا وبلجيكا قررت حظر النقاب في الأماكن العامة لمعارضته لعلمانية الدولة ولمخالفته للعرف المتبع داخل المجتمع ، ولا بأس لديهم في المساس بحرية المعتقد طالما أن ذلك سيحافظ على هوية الدولة . ولكن ... إن حاولنا بكل هدوء مناقشة موضوع قيادة المرأة بطريقة تحاكي استخدام المجتمعات المتحضرة لقاعدة العرف ، لسمعنا الأصوات تتعالى من قبل بعض المحسوبين على الإسلام بأننا نقوم بظلم المرأة ، ولو جدنا الاتهامات التي تصفنا ب ( الربوبيين ) رغم أن تلك القضية بعيدة عن الإسلام ولا علاقة للدين بتحريمها أو تحليلها ، ولن أتبحر في رأي فقهاء الإسلام في ذلك حتى لا يعتقد البعض بأن خطابي هنا ذو صيغة دينية ، كل ما أردت الوصول إليه هو أن قيادة المرأة تندرج وبكل وضوح ضمن قاعدة العرف ، وإن استطاع المطالبون بقيادة المرأة إقناع المجتمع بأسره أو على الأقل الفئة العظمى منه بعدم إلزامية منع المرأة من القيادة فلهم ما أرادوا ، وإن لم يستطيعوا فإن الحال سيبقى على ما هو عليه ، وعلى المتضرر اللجوء للإعلام . والله من وراء القصد ,,,