** في أحد التقاطعات الكبيرة كنت اتوقف بسيارتي في أول طابور السيارات التي كانت تنتظر فتح اشارة المرور، وإذا بسيارة تأتي من الخلف، وتتقدم كل الواقفين، في غرور واضح من صاحبها، وتحدٍّ سافر لنظام السير، حتى استقر أمامي في وضع "مخالف" .. وفوق ذلك فقد كانت السيارة مظللة بعاكس فضي مخالف، أي أن صاحبنا هذا كان مزدوج المخالفة، وظللت أرمقه تارة، وأرمق جندي المرور الذي كان يقف عند جهاز تشغيل الاشارات تارة أخرى. ** كنت أتوقع - كأمر بديهي - أن يتقدم جندي المرور من صاحبنا، ويمنحه مخالفة مزدوجة على فعلته تلك، لكن الذي حدث - وهذا يتكرر كثيراً - أن جندي المرور كان في وادٍ آخر تماماً، فلا هو بالذي عالج مخالفة أمامه، ولا هو بالذي غاب عن ساحة الحدث.. لأنه وجوده بقرب خطأ سير واضح كهذا، ثم "تطنيشه" عنه، يُعد في رأيي تقصيراً، بل وكارثة يستحق عليه العقاب، بعد أن فرط في امانة الوظيفة. ** ثم تعال معي وانظر إلى ما حدث في نفس اليوم واللحظة، فعندما كدت أصل إلى اشارة المرور القريبة من مكان عملي، كان ذات المشهد السابق يتكرر - وما أكثر ما يتكرر - لكن في هذه اللحظة تصادف وصول دراجة مرور، وعليها جندي مخلص، ومن على بعد كنت أراقب تفاصيل المشهد، فقد قام هذا الجندي بالإشارة في حزم واضح إلى صاحب السيارة المخالفة بأن يتقدم ويحرك سيارته للانعطاف يميناً إلى حيث الشارع الثاني، لكن صاحب السيارة فتح زجاج سيارته محاولاً فتح حوار مع جندي المرور، مثل "أنا لا أريد الانعطاف وإنما وجهت سيري إلى الأمام".. لكن الجندي اصر عليه بالانعطاف ومغادرة المكان المخالف، وهنا أذعن الرجل وترك مكانه، ثم جاء سائق آخر وكرر المخالفة، فقام ذات الجندي بنفس العمل الميداني وطالبه بترك المكان. ** لحظتها فتحت الاشارة، وتحركنا جميعاً، وقد كنت أتمنى لو أسعفني الوقت، فالتزمت ذلك الجندي، وطبعت فوق عينية قبلة تقدير ومحبة، على إخلاصه وحزمه وادائه لعمله بكل أمانة وحرص، وبدون تردد أو خوف، حتى إنني كنت أتوقع أنه لو لم يخضع أحد أولئك المخالفين له في حينها، لقام من فوره بتحرير مخالفة فورية له، وهنا دعوني أقُلْ شيئا وهو: من الذي دفع الجندي الأول إلى التراخي وتضييع الأمانة، ومن الذي جعل زميله الثاني يسجل هذا الموقف المشرِّف. ** يا أيها الأخوة في الادارة العامة للمرور.. إن فوضى السير في طرقاتنا، وغرور واستهتار حفنة كبيرة من السائقين، ما كانت لتكون لو أن كل جنود المرور عندنا مثل الجندي الثاني الذي رويت هنا قصته، فهل إلى سبيل بإعادة تأهيل جنود المرور، والأهم من ذلك متابعتهم في الميدان؟!!