لخالد الفيصل تجارب في القيادة والإدارة والفكر، صاغها في مقالات وأبحاث، وربما لامست من حروف أشعاره أصداء معاناة مما يخاطب الوجدان من قريب أو بعيد. جاء إلى منطقة هي قلب العالم النابض حيث تتجه الوجوه إليها وتهوي الأفئدة نحوها وتطوف الأبدان والمشاعر في فضائها، فكأنما كان على موعد مع قرن جديد ينتظر من يحملها إلى عالم هو الأول. ثم كانت السيول التي عادة ما يفرح بها الناس ويتسابقون إلى الاحتفاء بها، ويشاهدون كيف تستقبل الأرض بمن عليها وما عليها بركات السماء. لكن تلك السيول فجرت في الأرض براكين خامدة للفساد لم يكن أحد يجرؤ على الاقتراب منها أو الحديث عنها أو حتى النظر إليها، لأن شيئا من ذلك قد يجعل البركان يلتهم المتلصص فلا يكاد أحد يعرف أين اختفى. وحين غيض الماء واستوت على الجودي، جاء القرار الملكي بتشكيل لجنة يقود مسيرتها خالد، ولم تمض أربعة أشهر إلا والتقرير يكشف عن بعض مواطن الفساد. كانت في السيول بركة لم يتنبه الناس إليها، لكنها مما لم يألفوه من قبل إما في نزهة أو روضة أو ينابيع، فكانت البركة هذه المرة في ملاحقة الفاسدين واستخراجهم من جحورهم. وحين يساقون إلى القضاء، لا يعني أن الملف -كما نرجو- قد طوي، بل لعل في ذلك فتح ملفات فساد في كل إدارة وفي كل مكان حتى ولو لم تكن السيول وبركاتها فاتحة هذه الملفات. خالد صاحب التجارب، هو الأقدر اليوم على توثيق تجربة مكافحة الفساد ورسم سياسة واضحة المعالم والقسمات لتعقب أصحابها، تجعل من هذه البلاد قبلة أخرى للأداء الوظيفي الراقي النظيف. لقد وضع الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام قاعدة ذهبية للأداء العام: «لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك من الله شيئا قد بلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة، فيقول: أغثني يا رسول الله، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك». ولو كانت هذه القاعدة عند غيرنا لجعلوها دستورا للأداء العام، فهل نفعل ذلك نحن هنا؟، إنه الأمل.