لم يفاجئني ما كشف عنه الدكتور عبدالسلام بن سالم السحيمي منسق لجنة المناصحة بالمدينةالمنورة عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية، في حديثه لصحيفة \"المدينة\" يوم الأحد الماضي \"عن وجود أكاديميين سعوديين ذوي مكانة اجتماعية مرموقة خضعوا للمناصحة لتأثرهم بالفكر المتطرف\"، أقول لم تفاجئني هذه المعلومة، وربما لا تفاجئ كثيرين يعرفون أن الشباب الغض لم يتطرفوا من عند أنفسهم، وإنما كانوا نتيجة طبيعية لما فعله معهم أساتذة كبار ومنظرون للفكر المتطرف تمكنوا خلال عقود من استقطاب جيل من المراهقين وحقنهم بأفكار التطرف والتكفير حتى تحول بعضهم إلى قنابل متفجرة وأحزمة ناسفة في وجه المجتمع كله، والقصص الواقعية التي رواها الدكتور السحيمي من واقع خبرته ومعرفته بالموقوفين من الشباب الصغار تؤكد ما تعرضوا له من تضليل على مدار سنوات طويلة. الدكتور تحدث عن أن المناصحة تنقسم إلى قسمين: الأول مناصحة الموقوفين، وهي إما فردية أو بالدورات العلمية أو بالرعاية والتأهيل، والثاني مناصحة غير الموقوفين، وذلك ضمن برنامج توعوي تحصيني يستهدف جميع فئات المجتمع، وقد أقيم هذا البرنامج حتى الآن في ست محافظات، استمر البرنامج في كل منها ثلاثة أسابيع، وتضمن محاضرات وخطبا ولقاءات ومسابقات ودورات علمية، وشمل جميع مدارس المحافظات الست للبنين والبنات وكلياتها، والمساجد. الدكتور السحيمي لم يذكر أسماء المحافظات التي شهدت هذا النشاط الكبير، لكنه وصف دور الإعلام بالتقصير، والحقيقة أن الإعلام ليس مقصرا بل هو غائب تماما، خاصة في تغطية النوع الثاني من المناصحة، إذ من غير المقبول أن يستمر برنامج بهذه الكثافة في محافظة من المحافظات لمدة ثلاثة أسابيع دون أن تقوم وسائل الإعلام \"صحافة وتلفزيون وإذاعة\" بتغطيته، ونقل ما يدور فيه للقراء والمستمعين والمشاهدين، فإذا كان الإعلام لا يستطيع لأسباب مختلفة تغطية مناصحة الموقوفين، فإن غيابه عن المناصحة العلنية لغير الموقوفين التي تستهدف جميع فئات المجتمع غير مبرر. إن التلفزيون – مثلا – ينقل جوانب كثيرة من جلسات الحوار الوطني التحضيرية في جميع المحافظات التي تعقد فيها، كما أن الصحف تقوم بتغطية فعالياته، وتنقل ما يدور في جلساته، وتلتقي المشاركين فيها، فلماذا هذا الغياب عن برنامج المناصحة العلني الذي لا يقل أهمية للوطن والمواطنين عن الحوار الوطني، هذا إن لم تكن له أهمية أكبر إذا وضعناه في سلم الأولويات لأنه يتناول جانبا عانى الوطن وما زال يعاني من مخاطره إلى يومنا هذا، ألا وهو التطرف الذي أنتج التكفير، وما تلاه من أعمال إرهابية. إنني أعتقد أن هذا الغياب مسؤولية الطرفين، لجنة المناصحة التي يجب عليها أن تدعو كل وسائل الإعلام لتغطية مناشطها كلها في أي محافظة تتجه إليها، خاصة أن البعض لا يعلم عن دورها، وبعض آخر غير مقتنع به، وغير مصدق لنجاحاته التي تعلن بين الحين والآخر. ووسائل الإعلام المختلفة التي يجب عليها أن تعطي الأمر ما يستحقه من أهمية قصوى للسلم والأمن الوطنيين بحيث تناقش كل برنامج للجنة في أي محافظة وتغطي فعالياته، وتجعله برنامجا حواريا للوطن كله.