سألت أحد المسؤولين في قطاع خدمي عن الاستراتيجيات الجديدة التي سيعملون وفقها لتحقيق مبدأ «التنمية المتوازنة» الشعار الذي رفعته وزارة التخطيط والاقتصاد ووزارة المالية في السنوات الثلاث الأخيرة. * قال لي: الكلام نظرياً جميل والشعارات براقة ولكن التطبيق يصطدم بالكثير من العوائق والعراقيل. وقال هل تصدق ان كثيرا من البلديات تعيد ميزانياتها المعتمدة في نهاية العام المالي إلى وزارة المالية دون تنفيذ المشاريع التي خصصت لها تلك الميزانيات؟ * تفاجأت بهذه المعلومة لأنني كنت أظن ان الوزارات والقطاعات تهرول بعد انقضاء النصف الأول من السنة المالية لتطلب من وزارة المالية دعمها بمخصصات واعتمادات إضافية للوفاء بالمشاريع الملحة. أما أن تعاد مخصصات الميزانية دون الاستفادة منها فقد تخيلت انها نكتة لا يمكن تصديقها. * سألته لماذا تعاد المبالغ؟ قال لي إن نظام المنافسات والمشتريات الحكومية به العديد من المعوقات والبيروقراطية التي تعطل الانجاز وتؤجل المشاريع.. قلت له الذي اعرفه أن النظام تم تحديثه منذ ثلاثة أعوام وأعتقد انه تلافى كل المعوقات القديمة ابتسم وقال.. العبرة بالنتيجة. * حينما تقرأ خطط التنمية الخمسية التسع تستأنس كثيراً بمضامينها النظرية وادبياتها وأهدافها وتشعر ان جهوداً عظيمة بذلت في اعدادها وصياغتها واخراجها. وتفخر ان لدينا عقليات وأجهزة بهذا المستوى المحترف من الرؤى والخطط الطموحة.. لكنك تحتار حينما ترى ان برامج هذه الخطط لم ينفذ منها الا النزر اليسير في كثير من القطاعات باعتراف وزير التخطيط نفسه حينما صرح ل(المدينة) في الخامس من الشهر الجاري بما نصه (ان خطط الوزارة ومشاريعها التي أعدت سابقاً لم تنفذ بالمستوى المطلوب وان كفاءة التنفيذ في المملكة بشكل عام ليست جيدة والتنفيذ على ارض الواقع بحاجة لنقلة نوعية لتنمية الوطن بصورة اكبر). * انا في تقديري ان هناك خللاً في الآليات فوزارة التخطيط تناقش الاحتياجات مع مجالس المناطق وتحدد الأولويات وترفعها للمالية. ثم يناقش رؤساء البلديات والجامعات والامناء ميزانياتهم مع رئيس القطاع في وزارة المالية فان كان المناقش له حظوة أو علاقة أو نفوذ فسينال ما يريد وان كان غير ذلك فله الفتات. دون النظر إلى الأولويات. * وزارة تعد الخطط وأخرى تضع السياسات التنفيذية واشخاص يحددون الحلقة الأخيرة بمزاجهم.. فتتعثر الخطط وتنحرف الأهداف وتظل استراتيجية التنمية المتوازنة مجرد شعار الا ان يعاد النظر في نظام المشتروات والمنافسات وتعطى وزارة التخطيط حق المشاركة في الاعتمادات والاشراف على تنفيذ برامجها والا سيتحول التخطيط إلى تخبيط والتنمية المتوازنة إلى مايلة وتضيع المناطق الريفية وينشأ حراك طبقي واجتماعي كنتيجة طبيعية لتلك المزاجات!!.