من المسلم به أنه لا أحد يقر التعديات إلا أنه من الممكن تفهم اعتراض مواطنين على إزالة لجان التعديات لمنازل قد يكون بعضهم اشتراها أو اشترى الأرض من صاحب مخطط أغراهم برخصها – مثلا – وأوقعهم في الشرك، وانطلى عليهم شراء أراض لا مملك شرعيا لها ولهذا أقول يمكن تفهم موقفهم في الاعتراض على الإزالة على الرغم من عدم امتلاكهم لأي حجة، لكنهم يحاولون باعتراضهم تبرير ما وقعوا فيه من استغفال، وربما يعبرون عن إدانة نظام البلدية الذي غفل عنهم حتى بنوا فشعروا أنهم ضحية لجهتين، تاجر عقار جشع، ونظام نائم، ومع أن النظام لابد أن يمضي، إلا أن ما أريد الوصول إليه أنه يمكن تفهم دوافع هؤلاء المعترضين لكن الذي لا يمكن استيعابه هو اعتراض مواطنين عاديين على إزالة مستودعات تعدى أصحابها وبنوها في أراض حكومية كما نشرت (الوطن) يوم الجمعة الماضي عن حالة من هذا النوع في جنوبجدة، فمن المعروف أن المستودع - أي مستودع - من هذا النوع لابد أن يعود لتاجر أو صانع، أي شخص مقتدر بالمعنى المادي الذي جعله يحتاج إلى مستودع، وبالمعنى المعنوي الذي يجعله قادرا على مواجهة الجهات الرسمية بوسائل ليس من بينها الوقوف أمام (الشيول)، فلماذا هذه (الفزعة) من مواطنين يضعون مركباتهم في طريق معدات الإزالة ويتجمهرون لإعاقة لجنة التعديات عن الإزالة؟ إن الموقف مثير للدهشة ومدعاة للتأمل فهل هؤلاء كلهم شركاء مع صاحب المستودع، أم أن أصحاب المستودعات استغفلوا من هؤلاء واستأجروا منهم المواقع، أم أن أصحاب المستودعات استأجروا هؤلاء المواطنين لإحداث هذه (الغشنة والدوشة) أمام لجنة التعديات، أم أن هؤلاء يمارسون حمية مجانية ضد أي إزاله على طريقة التجمهر المجاني الذي يمارسه كثيرون عند وقوع أي حادث؟ كل هذه الأسئلة وغيرها واردة، وأنا أضعها هنا مفتاحا لتلمس أي مبرر منطقي لهؤلاء المعترضين الذين من غير المعقول أن يكونوا مجانين وإنما لابد أن لهم مصلحة – ما – من هذا الاعتراض لكنها مصلحة غير واضحة بغض النظر عن كونها غير مشروعة فهذا أمر مفروغ منه. هل أنت ضد النظام؟ إن الإجابة المنتظرة من أي إنسان عاقل هي أنه مع النظام لكن الأمر لا يتعدى الجانب النظري في أحيان كثيرة، وهذا الاعتراض على ما تقوم به لجان التعديات في مجمله يوضح طريقة فهم الكثيرين للنظام وموقفهم منه، بل ونظرتهم إليه وإلى إمكانية كسره بأي وسيلة، والسبب ليس في الناس هؤلاء فقط وإنما أيضا في طريقة تطبيق النظام الذي يغفو زمنا ثم يستيقظ فجأة، ومع أن اليقظة والتطبيق الحازم مطلوبان، إلا أن لكل شيء ضريبته لأن لكل امرئ من دهره ما تعود.