(1) بلا بوصلة وأبحث عني : هناك حدود الطفولة .. مهما ابتعدتُ هناك احتمالات طفل بذي المرجله!! هناك رهابُ يؤدلج كل مصيرٍ / فلا استنفذته الإجابات والأسئلة! ليل القرامطة: شعر محمد الفوز (2) مكاشفات للذات..! كنت أتحدث في ندوة عن انطولوجيا الرواية السعودية في مداخلة في جامعة صنعاء، وخرجت عن النص في نقدي ل(بنات الرياض) رواية الزميلة الروائية رجاء الصانع، ورفضت أن تتخذ كرواية رائدة، كرست خطاباً يعلو متفرداً من خلال نسيجه صوت المرأة، وأثار نقدي المحاضر الروائي الصديق خالد اليوسف، ولمست تبرماً في مداخلة الصديق الجميل الناقد د. معجب العدواني لكونه متخصصاً في الرواية، ولم يشذ عن التوجه مدير الأمسية الأستاذ خليل الفزيع، وذهبت تلك الليلة إلى جملة مداخلات أخرى تتوسم الطواف في محراب المرأة، ويبقى حواراً عائماً ما لم نخرج جميعاً عن عباءة رواية (الوصاية) التعليمية والمصاحبة بهوجة إعلامية إلى ساحة الفن.. استدراك/ عادت بي الذاكرة، وأنا أنفض غبار أوراقي تلك الليلة، أستعيد التفاصيل ومفاصل الوجع في رحلة مع (اغتيال السبات) رواية الروائي اليمني محمد سالم الحداد، فتتساقط في الذاكرة رحلة متجددة لوهج قديم، فأتذكر طلة بطلة رواية (نباح) للمبدع الصديق الروائي عبده خال، فتتبع البطلة التي تخلقت في مدينة جدة (المنكوبة) بكارثة السيول حالياً مصيرها حينها، فحالت حرب الخليج الثانية دون نهاية طبيعية لقصة حب، وعجزت تحتضن امرأة من جذور يمنية لتبقى في جدة بلا أوراق، فرحلت لتطاردها الرواية في رحلة مهنية، تتلمس أوراق (محجبة) لها بعض نبض حوارنا الملتبس تلك الليلة في ليلة ثقافية، تخترق الصفوف في صنعاء بقوة، وأتفهم الدلالة الرمزية التي عناها الكاتب هنا – وإشارة الأوراق في نصوص عبده الأخرى، ويكفي من يريد أن يستقصي واقع المحجبات (الظاهرة) في اليمن، وكيف نبتت، ولماذا ومن يقترف ذيولها؟، ليتكئ في أقاصي الجنوب (عدن) وهي دلالة رمزية بالغة القيمة، وقد استقر المقام ببطلة النص هناك – وقد تؤخذ الدلالة بوجوه متعددة عاطفية معرفية اقتصادية بين جدة وعدن وحياتية بنسيجها المجتمعي، وهنا فاجعة الرواية وخيط من نسيج خطابها.. فالعاشقة أصبحت فتاة متعة ليلية، تمارس سريتها في غرفة بائسة قصية، وحينما أصبحت الرواية على مقربة منها لتجرح بوحها، حدث التزاوج الفني بعد كشف المستور، وذهب العاشقان كل في اتجاه آخر بعيد، وطوى كل عاشق جرحه في خط آخر موازٍ.. فالمرأة تريد من يتبنى ابنها الذي بلا أب، والرواية ترصد خيطاً من نسيج بشري ينكر ماضية، فكان لابد من قذف أوراقها من غرفة تلك الشباك.! رواية (نباح)* ولماذا كل هذا الاستطراد في ما سيفصح عنه استحضار رواية (اغتيال السبات) ورواية (نباح) وما بينهما من فصول الوجع ومفاصل الكلام، فالروايتان تتخذان مساراً بالضرورة، يختلف عن اتجاه رواية رامزة ك(موسم الهجرة إلى الشمال) للراحل الطيب صالح(!)، لأن الشمال شمال حتى نهاية مسار البوصلة، وقطار الجنوب جنوب، يتحدد بما لما لبوصلة الخطاب من خصوصية في كل بقاع العالم.. رواية (اغتيال السبات) للروائي اليمني محمد سالم الحداد، تتخذ أنموذجاً آخر موازياً في كشف خطاب المفاصل وفواصل الكلام، فأحمد بطل رواية (اغتيال السبات) تتكئ في خطابها ككثير من الأدب اليمني المتنوع للتعبير عن الغربة والغرابة والسفر والشجن إلى الوطن. وتحضرني أحداث رواية (يموتون غرباء) للروائي الراحل محمد عبد الولي، وبطلها الذي قضي حياته وعمره في دكان صغير، يقع في إحدى دول القرن الأفريقي في ازدهارها التجاري، أرسل السلاح وبنى البيت وزوج الابن، ومات غريباً بائساً في ذلك المنفى الاختياري.. أحمد عاد إلى قريته في (مأرب) بعد زيارة علاج وحج وشراء سيارة، فوجد في مدينة (نجران) من يهربها له ويوصلها إلى بيته بعد ثلاثة أيام، واستضاف القادمين بها يومين وأكل معهم العيش والملح، وفرح بسيارته ذات (العلامة الفارقة) مع أهله. ويتضح أن رواية الحداد تقليدية قبل أن أصل لنهايتها، تقتبس حرفيتها الفنية من لحمة الداخل اليمني وبؤسه، وتماسه مع ذاته وتنفسه مع ما حوله، لتنطق الرواية في تفاصيلها بمشاهد غاية في الغرابة عن كشف المستور، وكان على السيارة المهربة أن لا بد تأخذ دورة ضياع جديدة، فقد خرج لصلاة الفجر ولم يبق للبطل (أحمد) منها إلا مفتاح (السبات) في جيبه، وفشل بعد إشهار التقليد القبلي القديم بإطلاق النار ليجد أحد لنجدته، فحمل بندقيته ورحل ليستعيد رجولته وشرعية وإثبات (هوية) سيارة مسروقة وضائعة، ليكتشف أن الغربة في داخل الوطن.. ثلاث ليال في (أرض الجنتين)!، مقالة قديمة، كتبتها بعد حرب الخليج الثانية في أول زيارة لليمن، نبضت بالخوف حينما لا يكون للحوار لغة غير السلاح، وحينها وجدت عبده يحاورني مرة حولها عن معرفة مذهلة، وثلاثة أشهر ظل أحمد بطل رواية محمد سالم الحداد، يحمل سلاحه ويعيش الخوف والقلق والتوجس والخيبة، فيصعد به جبلاً ويهبط وأدياً، يحرك الجزع والخوف خيط الحكاية من بين قرى ومدن، فتتلقفه الوجوه، نساء ورجال شيوخ ولصوص وأطفال مشردون، فتقاسم الخوف والخداع والريبة معهم بما فيهم (المهربين) الذين أوصلوا إلى بيته سيارته، لتمتد رحلة البحث بين مواقع متعددة (البقع - الجوف - عمران - سوق الطلح - ريده - خولان - صرواح - وصولاً إلى أعالي جبال صعدة..)، يفتش بين حطام السيارات في مواقع تقطيعها وبيع أجزائها، ويركب بين أعلاف المواشي وأعواد القات، ويندس في أعقاب الشاحنات خوفاً، ويضطر يرهن سلاحاً لم يحمه، لتنهي الرواية كما انتهت رواية (نباح) يقذف أوراق الرواية من النافذة، حينما حان له تقديم (هوية) الأوراق وقيل له، الآن أخبرنا بالعلامات السرية التي توجد في سيارتك..؟ (قال أحمد : 1- الهواية الصغيرة، التي تقع بجانب باب السيارة مكسور نصفها. 2- العمود الذي يربط بين تروس العجلات الخلفية، وبين تروس نقل السرعة، توجد فيه ثلاثة مسامير حلزونية بدلاً من أربعة مسامير، بمعنى أنه لا يوجد المسمار الحلزوني الرابع. 3- الفردة البلاستيكية التي تحجب عن وجه السائق ضوء الشمس، مكتوب فيها من الخلف اسم (أحمد) بحبر أخضر اللون، وأردف ببعض العلامات الفارقة الأخرى.) ص130 ربَّ ضارة نافعة، يسري الخيال كالصمت الليلي في فضاء، يعشق تقليب الأوراق والذاكرة معاً.. فقد مكنني العجز وإعاقة (عرق النساء) ومفاصل الوجع، وحزمة رحلة عابرة لذاكرة طبوغرافيا الرواية، والقفز فوق هاجس الأسئلة للمقارنة بين عالمين لروايتين في (بلوغرافيا) المنتج السردي، يتمازج في نماذج نسيج بشري في بوصلة ذاكرة جنوباً، فلا يجوز القفز فوق فسيفساء الواقع، حينما نجده مترابطاً يتلبس السرية، وسنجده حتماً حينما تكون البوصلة باتجاه ميتافيزيقي شمالاً.. وسأبصر من فوق ركام الأسئلة المتوقعة، والدلالة الأولى (الهوية) وفي زحمة الضياع، والحاجة بدون الزج في خصوصية عالم كل رواية، النظر إلى معنى ترحيل (هوية) المرأة / السيارة / الرامزتين في الروايتين، وخطت كل رواية نجاحها، وتكشف معطياتها ثنائية جدلية، بمعني بأن في الإمكان الوصول إلى جوهر الحقيقة، وكشف وتعرية الواقع بما يوحي به الفن. لابد من صنعاء ولو طال السفر.. (3) نصوص.. حال بيني وبين التوغل في تفاصيل نص المبدع أحمد القاضي (الريح وظل الأشياء) نصوص فتت في عضدي، وثبطت جموحي الخوض بين الحروف دون النظر للأسماء وصدت نفسي، فصرت أستعجل أحمداً.. الصديق أحمد القاضي، عرفته قبل أن أرتحل معه إلى اليمن مؤخراً في أسبوع الثقافة السعودي، وكان هو والأستاذ محمد الحرز، والكبير محمد الثبيتي -عفاه الله، والشاعر الجميل عيد الحجيلي، والمبدع فهد الخليوي الأصدقاء الذين نتقاسم الريح وظل الأشياء، عرفت نصوص أحمد من قبل أن نلتقي لكني. عرفت النهر الجميل واليعسوب المجنح، وتذكرت البدايات الصعبة، حينما يتم امتحان الذات بين الفرقاء، فتطل روح الفنان على بئرها ومعينها الذاتي، البيئي والجغرافي والأسري والتعليمي، لشكل شخصيته وذائقته ورؤاه وأسئلته الثقافية، ليعبر كمثقف إلى صياغة عالمه الكتابي. وعرفت عن أحمد ذاكرة كصديقنا الفنان حتى العظم الراحل عبد الله با محرز يحفظ نصوصه السردية، وسمعت أن الطاهر يحيى عبد الله الروائي المصري، كان يتميز بتلك الخاصية التي يتفرد بها بعض من شعراء القصيد، وتعني مكابدة الحرف وعمق فلسفي ووضوح الرؤية، فكان في تلك الرحلة راحلاً في تفاصيل الأشياء، ونحن نتابع التفاصيل في أمسياتنا الثقافية العامة حينما يحل الليل.. حملت الريح وظل الأشياء 19 نصاً سردياً، كتبت بلغة رشيقة واعية بوعورة دروب السرد وتكثيف اللغة الشعرية، أفصحت النصوص الأولى (وجوه) لتتبني الخطاب السردي، وحملت عنوان المجموعة القصصية، وتوجت النصوص الأخرى (يختفي يختفي) نضج النسيج الفني لهذة المجموعة. ومنها نص (لا سواه) ما يلي: (إنه عزيز جداً، تنتابني بعض الحالات إزاءه. مثلاً أقوم من فراشي وقد تهيأت للنوم فأحمله دون مقاومة منه أو حراك، وأزيحه عن الدولاب قليلاً وربما وأنا أحمله ينغرز طرفه في صدري فلا أسمع إلا ازدياد نبضات قلبي، وربما أمرر شفتي بسرعة، وبدون تفكير، فلا ينفر، أو يتأفف، وربما أراقصة في مشي وئيد فلا يستجيب.. يا إلهي كأنه باب خشبي أضعه جانباً (حامل الثياب)).ص 52 *مجموعة: الريح وظل الأشياء (4) درد ميس ملف السرد الشفاهي (2) دائماً ما أتلمس ضرورة وجود مركز دراسات للركام السردي، أتذكر أن الباحث والروائي عبد الله محمد حسين، أورد جملة من المعوقات صادفته، حينما كان يعد أبحاثه حول (الأساطير الشعبية) للرائد الأستاذ عبد الكريم الجهيمان، وقد تم تحقيق أبحاثه في دولة قطر الشقيقة، لعدم ووجود مركز أبحاث لتحقيق التراث في بلادنا مع أن عبد الله كان، يعمل لسنوات عديدة في واحدة من أكبر المكتبات في بلادنا مكتبة الملك فهد. الصديق الشاعر الإماراتي أحمد راشد ثاني، أورد قصة تجربة مشابهة فقد عاد بعد غيبة إلى بلاده، ليستقر في مكتبة (خور فكان) فكان أن داعب الضجر وجمع جزءاً من التراث الشفوي المغمور في هذه المنطقة. ويتضح من العنوان الفرعي أن ما بين أيدينا، هو الجزء الثاني من ملف توثيق وتحليل السرد الشفاهي، فالحكاية الشعبية أو (التاريخ الشفهي) تؤدي دوراً فاعلاً في المجتمعات التي لم ترسخ فيها الكتابة، فعالم الحكايات (عالم فاتن وغني ومحملّ وربما أكثر من غيره بأكثر الدلالات ميثولوجية ولغوية وسوسيولوجية. ورغم ذلك فهو مهمل ومقصي ومسكوت عنه في مجتمع الخليج) ص10 وتجربة مهمة قبل ظهور الفن السردي الحديث القصة والرواية، كنتاج طبيعي للمطبعة جاء متأخراً في واقعنا الثقافي المعاصر. 8 حكايات شعبية حواها هذا الملف، واتخذت لها عنواناً شعبياً - درد ميس - وتعني الانغمار في السعادة الفردوسية – ذروة الحكاية – هي غيبوبة وثمالة وفقدان للوعي وتطويف، والحكايات الشعبية هي - اليلب - ابن الحطاب - ولد ليلة - الطير والعقد - الميت وابن التاجر - الصندوقان - المذبوح - رزق واحد - وقد أورد معد الكتاب الذي يشير إلى جهود الآخرين معه في جمع مادة الكتاب، فهرس للألفاظ العامية في نهاية الكتاب، ومما جاء من تلك الحكايات حكاية (اليُلب) الشعبية: (هايا من زمان، الله يسلمش حرمة من عرست ما سوت عيال أبد، تمت تشوف الناس ما شا الله عندها العيال، وهيه مسكينة ما شي. تمت بيجي ست سبع سنين ما تحمل، وكان تقول كان إن شاء الله حملت، والله أعطاني بنت بسميها اليلب، وأحطيها عند المطوع تقرى، والله أعطاها بنت، حملت والله أعطاها بنت، كبرت البنت وحطتها عند المطوع وسمتها اليلب، فقال لها: - ياليلب ياليلب ويش سويت من العجب يوم إنحس العطر بالباب وطاحت فتكة الخلخال قالت : - يا مطوعي ما ريت غير ضرور المسك على رأسك) أقف هنا - فيكفي ما تم من سرد لبقية الحكاية الشعبية التي تفتح آفاقاً للمخيلة، وتعد ضرورة تبتدعها المخيلة الشعبية، وتتوارثها المجتمعات الإنسانية، لأنها تتصل بالعمق الحكائي من الداخل لأي مجتمع بشري. ويمكن فهم مفرداتها الغربية ودلالات متنوعة، ترتهن في الغالب إلى عالم سري سفلي غير مرئي..