جاءت الميزانية الجديدة لتؤكد أولا متانة وقوة الاقتصاد السعودي، وهي قوة تستند إلى سياسة رشيدة أفضت إلى نجاة الاقتصاد السعودي من معظم مخاطر الكارثة العالمية التي مازال العالم يعيش تبعاتها حتى اليوم. وأكدت الميزانية ثانيا على استمرار الصرف الضخم على المشاريع التنموية الحيوية في مختلف المجالات وعلى رأسها التعليم العام والجامعي والمهني. والتعليم كما هو معروف مفتاح التطور وأساس التقدم والنهضة، وتتوجت الميزانية بكلمة المليك الموجزة المعبرة العميقة البليغة التي تضمنت تحفيزا وعتابا ورجاء ووعيدا. لا يستطيع أحد أن ينكر أن بلادنا تحولت في السنوات الأخيرة إلى ورشة عمل كبرى في مختلف مناطقها ومدنها، فالمشاريع تترى هنا وهناك والميزانية الجديدة تؤكد استكمال ما بدأ واستحداث المزيد، لكن ما بين هذا وذاك هناك مشاريع تتطلب دقة أكبر في مستوى التنفيذ وأخرى تتطلب تسريعا في الإنجاز إلى غير ذلك من الملاحظات التي يشعر بها المواطنون ووجدوا أن الملك –حفظه الله- عبر نيابة عنهم بدقة ووضوح وهو يقول (أسمع وأحس بنفسي أن بعض المشاريع إلى الآن ما بينت...ضائعة.( لقد اعتاد خادم الحرمين الشريفين في كل عام أن يتوجه إلى الوزراء قائلا (لم يعد لكم عذر) أما في هذا العام فقد كان وفقه الله أكثر وضوحا في تحديد مسؤولية أي تقصير يطرأ وهو يقول(من يجد تقصيرا في أحد ومنهم وزير المالية عليه أن يخبرني...لا مجال للتهاون فيما يعيق التنفيذ...عليكم الجد والإخلاص والسرعة ،لأنه لا يوجد تقصير أبدا أبدا، واللوم إذا جاء يجيء على الوزير فقط).هذه الكلمات الذهبية توضح بجلاء أن القيادة لم ولن تدخر وسعا لتذليل عقبات التنفيذ ويبقى دور التنفيذيين وأجهزة الرقابة، إذ على الجميع أن يحولوا الأرقام المالية المعلنة إلى واقع حي في حياة الناس ونهضة الوطن. إن هذه الصراحة ذات المعاني العميقة من الملك المفدى تجعل ضعف أو عدم توفر معلومات مستمرة خلال السنة المالية حول الإيراد والصرف مثار دهشة واستغراب، إذ لا يوجد ما يمنع ذلك، فطالما أن الاعتمادات معلنة للجميع فما الذي يمنع من وجود بيانات مستمرة شهريا أو دوريا طيلة العام توضح الوارد والمنصرف ليس على مستوى الدولة فقط بل على مستوى كل قطاع أو وزارة أو إدارة؟ فهذا الأسلوب فوق كونه مطلبا اقتصاديا عالميا فإنه يحد من الأخطاء ويعالجها أولاً بأول، ويسهل عملية الرقابة والمحاسبة التي ينشدها المليك ويحث عليها. إنني آمل أن يتحقق ذلك ليس استجابة ل(مؤشر الموازنة المفتوحة)على الرغم من أهميته، ولكن استجابة لمطلب تنموي داخلي يهم القيادة والمسؤولين والمواطنين، فمحاسبة النفس مهمة للمضي في الطريق السليم، واجتثاث العوائق قبل أن تتضخم