تلاحق الأحداث أفضى إلى تأجيل هذا المقال الذي يفترض أن أنشره فور عودتي إلى الكتابة بعد إجازة الحج القصيرة، وذلك لتقديم واجب الشكر والتقدير للزميلين العزيزين خاشقجي والفايدي، فالأستاذ جمال خاشقجي رئيس التحرير حرص ألا يغيب \"صباح الوطن\" عن قرائه، ثم أحسن الاختيار لمن يكتبه بالنيابة، والأستاذ الصديق محمد الفايدي بادر إلى قبول دعوة رئيس التحرير فوراً، بأريحية غير مستغربة منه، وصدق يعرفه كل من عرف الفايدي، الذي كتب خلال فترة غيابي القصيرة ما هو أعمق وأجمل مما أكتب بمراحل. الفايدي من الجيل السابق لجيلي في الصحافة والكتابة، فعندما بدأت خطواتي الأولى في مهنة المتاعب كان الفايدي نجماً ساطعاً في سمائها، وكانت زاويته الأسبوعية \"كلام لا يهم أحداً\" في مجلة \"اقرأ\" تهم الجميع، وكان الجميع يتحاشى رصاص الكلام الذي يطلقه بإتقان ومهنية، وقبل ذلك ومعه كانت تحقيقاته الصحفية الميدانية التي كان يعد معظمها سبقاً مهنياً آنذاك سواءً في مجلة \"اقرأ\" أو في \"عكاظ\" قبلها. لا أتذكر \"الآن\" متى كان اللقاء الأول على المستوى الشخصي بيننا، ولعلني معذور في عدم التذكر هذا ليس بسبب طول المدة التي قاربت ربع قرن، وإنما بسبب الفايدي نفسه إذ يكفي أن تلتقيه مرة واحدة لتشعر أنك تعرفه ويعرفك منذ زمن، وذلك من فرط تواضعه الطبيعي، وألفته الإنسانية وحميميته التلقائية الممزوجة بالصراحة والوضوح والبراءة. ولعلني لا أبالغ إذا قلت إن الفايدي أوضح أنموذج لمن تجرع مرارة مهنة المتاعب وتحمل وخز إبرها دون أن ينال من حلاوتها شيئاً بالمطلق، بسبب جرأة قلمه، وعدم تقبله أنصاف الحلول، ومع ذلك فهو أيضاً من أوضح النماذج لعشق الصحافة والذوبان بين أعطافها، وهو واضح في عشقه كما لا يخفي المرارة التي تجرعها ومازال بسبب هذا العشق. محمد الفايدي لا يداهن ولا يتلون، ولا يغضبه أن تختلف معه في الرأي، لكنه يصدع برأيه ولا يبالي، ولعلني أجدها مناسبة لأقول للزملاء الذين لبوا دعوة الخطوط السعودية في وقت سابق، ثم كتب عنهم الفايدي مقاله الشهير \"اطعم الفم، تستحي العين\" الذي أغضبهم أو بعضهم وأنا أختلف معه في رأيه ذلك لكنني أقول لهم إن الفايدي أفضل من عبر عن حبه وتقديره لكم، مثلما فعل معي شخصياً منذ شهور، فهو يعلن رأيه بقلمه ولا يهمس به في المجالس كما يفعل الكثير غيره مّمن يبتسمون عند اللقاء وربما يمدحون فإذا غبت قطعوا أوصالك بألسنة حداد. شكراً يا \"أبا انتظار\" فقد شرفتني بالكتابة نيابة عني، فكنّا في نهار \"الصحافة والكتابة\" مثل الشمس حين تنوب عن الكهرباء.