لست ممن يحسنون الكتابة في فن الرثاء، ربما لأني لا أحب إثارة المواجع التي تكاد لتوها تبرد. وسبب آخر تؤرقني الإشارة إليه، فرثاء قريب لشخصية لامعة ذات جاه ومنصب تدخل في عرف الكثير في باب (النفاق) مع أنها ليست شرطاً أن تكون كذلك، لكنها (التصنيفات) و (الاتهامات) قاتلها الله جميعاً. ويوم الاثنين المنصرم، وصلني من الأستاذ خالد المالك (مشكوراً) آخر إصداراته القيمة، وكان عن رثاء الأحبة كباراً وصغاراً، أقارب وأباعد، شخصيات في حجم الوطن وأخرى بحجم الحب والعطاء. وفي اليوم نفسه ودعنا شاباً صالحاً حبيباً لأب صالح حبيب كريم. إنه الشاب صالح عادل فيده الذي مضت على وفاته في نيوزلندا أيام سبعة قبل أن يُوارى الثرى بجوار المسجد الحرام في مكةالمكرمة. ومما ضاعف ألم الفراق ألم الانتظار لإجراءات يستدعيها النظام وبعد تفرضه الجغرافيا. وذهبت أقلب الكتاب الذي يفيض حزناً، فوجدت فيه آهات الأب خالد المالك لوعة على فراق ابنه فهد الشاب الذي لم يمهله المرض طويلا فمات وهو في السابعة عشرة. يقول خالد الأب: (آه ما أصعب الوداع على المرء، يسكن الخوف أعماق النفس البشرية، ويلف الأسى حياة المرء كلما وجد نفسه في مواجهة مع لحظة وداع حزينة مؤلمة لأحد من الأخلاء والأحباء والأعزاء، ففي غيابهم يُتمُ له، وفي سفرهم الأبدي فراغ هائل وكبير في حياته..!!). وتذكرت المشاعر التي طافت بوالد صالح فيدة وأنا أقرأ رثاء أبي فهد: (أبكيك وتبكيك أمك ليلها ونهارها بقلبها المكلوم وعينها الدامعتين وصوتها الحزين، ويبكيك معها ومعي أشقاؤك وشقيقاتك... كل أفراد أسرتك.. الزملاء والأصدقاء الكثر، فقد كانت وفاتك مصاب الجميع وخسارة للجميع...). ويقول في المقدمة: (لوعة الحزن قاسية وصعبة بلا أدنى شك، وعلاجها أننا أمة مسلمة يعلمنا ديننا الصبر على المكاره، وتسليم أمرنا لله الواحد الأحد الذي لا إله غيره...) . صدقت يا أبا فهد، وشكر الله لك إهداءك الكريم الذي يفيض بمشاعر عميقة صادقة فيها نبل وعطف كما فيها ألم وحزن وما الموت إلا رحلة غير أنها من المنزل الفاني إلى المنزل الباقي