من المؤسف جدًّا فتح المجال في بعض الفضائيات الدينية لهؤلاء المتأكّلة بما يُسمّى الإعجاز الطبي في القرآن والسّنّة، ونحن لا ننكر إعجاز الوحي العلمي، لكننا ننكر هذا التوسع فيه من قِبل غير المتخصصين في العلم الشرعي. فهؤلاء من أجل الإصرار على ربط العلم بالقرآن والسنّة، أو ترويج وصفاتهم الّتي يركّبونها من زيوت الشعر إلى أدوية السرطان، والسحر، وكلّ ما يخطر على بالك يلجأون إلى تفسير القرآن والسنّة حسب أهوائهم، وبعضهم يعيد إحياء الأحاديث الموضوعة، والمكذوبة التي يجد فيها ما يؤيّد كلامه الّذي يغترّ به البسطاء، وأهل الحاجة، واحد من هؤلاء هو الدكتور عبدالباسط، وأنا أصرُّ على ذكر اسمه تحذيرًا ممّا يقع فيه من أخطاء، وقد سمعته في قناة فضائية يفسّر حديث النّبيّ عليه الصّلاة والسلام: «إنّ الشيطان يبيت على خيشوم أحدكم» يفسر الشيطان هنا بالجراثيم والبكتيريا، ولا أدري لماذا لا يكتنز الأنف هذه البكتيريا إلاّ في حالة النوم فقط؟ ثمّ هذا تأويل لم يقل به إلاّ العقلانيّون وأضرابهم ممّن لا يؤمن بالغيبيات، ثم ذكر حديث:«إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فضيّقوا عليه الخناق بالصوم» وادّعى أنّ الشيطان هنا ليس من ولد إبليس، وإنّما هو ما يتراكم في مجاري الدم من الدهون الخبيثة، والصوم ينقّيها، وهذا منتهى الجهل، فهو أولاً جاء للحديث بلفظ مكذوب، فالرسول عليه الصّلاة والسلام لم يقل: فضيّقوا عليه بالصوم، ولا بالجوع كما في لفظ مكذوب آخر، بل إنّ قصة الحديث تدل على أنّه لا علاقة له بالطب. ففي الصحيح عن صفيّة بنت حييّ قالت : كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم معتكفًا، فأتيته أزوره ليلاً، ثمّ قمت فقام معي ليقلبني، فمرّ رجلان من الأنصار، فلمّا رأيا النّبيّ عليه الصّلاة والسلام أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«على رسلكما إنّها صفيّة بنت حييّ » فقالا : سبحان اللّه يا رسول اللّه! قال:«إنّ الشّيطان يجري من الإنسان مجرى الدّم، وإنّي خشيت أن يقذف في قلوبكما سُوءًا»، هذا هو اللفظ الصحيح للحديث، وكما ترى فلا علاقة له بالصحة، ولا مجاري العروق، والكولسترول، ولا الجراثيم، ولا غير ذلك، وتفسيره كما قال ابن حجر: «قيل هو على ظاهره، وأن الله تعالى أقدره على ذلك، وقيل هو على سبيل الاستعارة من كثرة إغوائه، وكأنه لا يفارق كالدم، فاشتركا في شدة الاتصال وعدم المفارقة»، وقد قلنا أكثر من مرّة وحذّرنا من أكثر المتكلمين في هذه المسائل، خاصة صانعي الوصفات في ضوء فهومهم للنصوص الشرعيّة، فهم غالبًا جهلة طيبون، أو دجالون مستغلون لجهل النّاس ولحاجاتهم، والله الهادي.