صندوق التنمية العقارية يضخ المليارات سنوياً، وأزمة السكن في المملكة تتفاقم سنويا، ومشكلة التعديات تتصاعد سنويا. أول من أمس أعلن وزير المالية أن الصندوق أنفق أكثر من مئة وواحد وأربعين ملياراً منذ تأسيسه حتى نهاية 1428ه، وهناك دراسات لا أعرف مدى دقتها تقول إن 80% من الشعب السعودي لا يملكون مساكن، ودراسات مشابهة تقول إن السنوات الخمس القادمة تتطلب بناء مليوني وحدة سكنية. وأمس كتبت هنا عن إحدى صور التعديات القائمة على \"النصب\" وهي صورة مكررة لما يحدث في مختلف المناطق، مدناً ومحافظات وقرى، وخاصة على الطرق السريعة التي تربط مدن وقرى المملكة ويتمدد العمران على ضفتيها. والدولة كما هو واضح تجاهد على مختلف الجبهات، وهو جهاد مشكور ومقدر لكنني أظنه يفتقد للتنسيق وتوحيد الجهود. وقبل أن أضع اقتراحي المتواضع لتوحيد الجهود هذه، لا بد أن نقف عند المشكلة الأساسية، وهي التكاثر السكاني، ولك أن تسميه الانفجار السكاني، فالمملكة من أعلى إن لم تكن الأعلى في نسبة المواليد في الكرة الأرضية كلها، وهذه المشكلة لا تسبب أزمة الإسكان فقط، إنها سبب كل أزمة في كل مجال على المديين القصير والطويل، فهي تسبب أزمة في التعليم والصحة والضمان والتوظيف والكهرباء والماء والسكن، إنها تسبب أزمة للحياة. وما لم يلتفت لهذه المشكلة التفاتة جادة وحازمة فإن أي حل في أي قطاع سيظل كمن يحرث في البحر، لأن الكثرة لا تغلب الشجاعة فقط كما نقول في أمثالنا، بل إنها تغلب وتغلّب \"بكسر اللام في الأولى ومع التشديد في الثانية\" كل عقل وكل جهد مهما تضخم، وكل مال مهما كثر، والحلول الشرعية متاحة ويمكن تطويرها، ولكن الأهم أن يتم النظر إلى المشكلة بجدية ووضوح وصراحة. أما مشكلة الإسكان فهناك أطروحات تقول بتحويل أموال الصندوق إلى البنوك، التي يمكن أن تضع خططاً للإقراض أفضل، أو بناء مساكن، وهناك من يرى أن هيئة الإسكان الوليدة يجب أن تتحكم في الصندوق وتوجه أمواله إلى خطط جديدة لبناء مجمعات سكنية. وأنا لا أدعي أنني أملك حلاً جذرياً لهذه القضية الشائكة، لكنني وأنا أرى أزمة التعديات تتفاقم، وأزمة السكن تتفاقم، والصندوق ينفق المليارات سنويا، أقترح أن تجتمع وزارة المالية \"إدارة الصندوق العقاري\" مع هيئة الإسكان، مع وزارة البلديات ويضعوا برنامجاً واحداً يقضي على التعديات من جهة ويحل أزمة الإسكان من جهة أخرى. كيف؟ لجان مراقبة التعديات تسيطر تقريباً على أطراف المدن والمحافظات، لكن المملكة شاسعة جداً، وجميع أو معظم الأراضي الواقعة على ضفتي الطرق السريعة والقريبة منها هي أملاك دولة والتعديات الآن متجهة إليها، والصندوق الآن حسب الإحصاءات المعلنة يصرف سنوياً ما معدله سبعة مليارات، فماذا لو تم حصر جميع أراضي الدولة هذه وتم تنظيم القريب منها في جميع المناطق كمخططات سكنية، ثم وجهت المليارات السبعة لبناء فلل عليها، وبعد ذلك توزع على طالبي القروض كسكن جاهز في مواقع منظمة ونظيفة وفيها كل الخدمات، خاصة أن كثيرين من طالبي قرض الصندوق لا يملكون أراضي إلا في مواقع بعيدة جدا، وهناك حيل كثيرة تمارس في هذا الموضوع من أجل الحصول على القرض. إن المليارات السبعة وحدها ستنشئ سنوياً نحو ثلاثة وعشرين ألف وحدة سكنية فإذا أضفت إليها مشاريع الملك وولي العهد والأمير الوليد وفاعلي الخير الآخرين وهم كثر فستكون النتيجة نحو ثلاثين ألف وحدة سنويا، وما اقترحته هنا أظنه يوحد الجهود ويقضي على مشكلة التعديات ويضع أزمة السكن في طريقها الصحيح للحل على المديين القصير والطويل، بل ويساهم مساهمة فاعلة في تخفيف مشكلة الفقر التي قال الزميل عيسى الحليان في عكاظ منذ يومين إن السكن سبب غير مباشر فيها وأنا اتفق معه. ومن لديه فكرة أخرى فليتفضل بها، إذ المهم أن نصل إلى حلول جذرية دائمة لأزمات التعديات والسكن والفقر.