لن ينقرض \"النصّابون\"، لكنهم يخمدون حيناً، وينشطون حيناً، وهم موجودون في كل نشاط إنساني، وهم أذكياء، يبتكرون الحيلة تلو الأخرى لنجاح مشروعهم في النصب، ويستغلون كل ظرف، وكل مناسبة. وهم ينشطون في غياب الوعي لأي سبب، وفي غياب النظام أو ضعفه أو اختراقه. وفي ميدان العقار، قلت وقال غيري إن التعديات التي ولدت الأحياء العشوائية من رحمها، قامت على ثلاثة أركان، نصّاب، ومغفلين، ونظام غائب أو ضعيف أو مخترق. الآن هناك جهود للعلاج ذات شقين الأول، إعادة تنظيم الأحياء العشوائية كما يحدث في منطقة مكةالمكرمة عبر مشاريع استثمارية هائلة، والثاني، محاربة التعديات عبر إزالة أية مبان تم إنشاؤها عليها وإعادة الأراضي المتعدى عليها إلى أملاك الدولة كما يحدث في كل المناطق، ومعاقبة النصابين وربما المغفلين – أيضاً – وكلهم جدير بالعقاب. ولا شك أن هذه الجهود المبذولة بشقيها جيدة، ولا سبيل للعلاج سواها، لكنها فيما يبدو مركزة على دواخل المدن والمحافظات، وما يصل إليه مراقبو التعديات في أطرافها القريبة، والذي يعرفه الجميع أن المملكة شاسعة جداً، ولن يعدم \"نصابو العقار\" وسيلة جديدة يحتالون بها وينشئون مخططات جديدة في مواقع بعيدة على الطرق الرئيسية أو قريباً منها، ويبدؤون تسويقها بأبخس الأثمان لتبدأ في شكل استراحات ومزارع وأحواش وتنتهي إلى أحياء عشوائية جديدة، فما إن تنتهي إمارات المناطق وبلدياتها من معالجة العشوائيات بعد سنوات وإيقاف التعديات القريبة حتى تجد نفسها أمام ربما مدن عشوائية جديدة وليس أحياء فقط، وهنا يصدق المثل الشعبي \"كأنك يا بوزيد ما غزيت\". إن تجفيف منابع \"النصب\" في هذا الميدان يتطلب التفاتة جادة وحازمة من الآن وبصورة دائمة، فهذه المنابع ما زالت موجودة، قد لا تكون كثيرة، لكنها قائمة وتمارس نشاطها في وضح النهار. في الأسبوع الماضي لفت نظري أحد الأصدقاء المهتمين إلى إعلان مثير في إحدى الصحف المحلية قد يكون أنموذجاً لإعلانات كثيرة غيره. يقول الإعلان: عرض مغر جداً جداً. قطع أراض تبدأ أسعارها من 3500 إلى 5000 ريال، والمساحات من 900 متر وأقل مساحة 750 متراً مربعاً، والشوارع 40 و30 وأقل شارع 15م، قريبة من الخط السريع - مكةجدة الشعيبة، الحق الركنيات التجارية. واتصلت فوراً بأحد الأرقام المنشورة، طمعاً في شراء عشر قطع على الأقل من الركنيات التجارية، وكانت الخلاصة أن هناك التالي: أرض ضخمة في الفلاة وضع لها مهندس مخططاً على الورق، ودلال عقار يسوق ويبيع، ومشترون يدفعون القيمة المتواضعة ويحصلون على وثيقة من الدلال أو من المالك المزعوم، ولاحظ الأطراف هنا \"مكتب هندسي يرسم، ومكتب عقار يسوق ويبيع، وصحف تنشر الإعلانات والمالك الذي وراءهم\". قلت لمن اتصلت به: هل تضمنون ملكيتي لما أشتريه؟ قال نضمن أمام أي أحد إلا الحكومة. قلت: لماذا؟ قال بفصاحة: لأننا مواطنون ونحن وأنت لا نستطيع أن نقف في وجه الحكومة لأننا لا نملك صكاً شرعياً. قلت: والكهرباء؟ قال: بعد سنة، هناك البعض بنوا بيوتاً واستراحات وموعودون بالكهرباء خلال سنة. قلت: وكيف تبيعون بدون صك؟ قال: \"باين ما تبغى تشتري، هذه طريقة معروفة من زمان للصاملين\". وصفة \"الصامل\" هذه، التي تطلق بلهجة \"عنترية\" متحدية، أول جرعة يعطيها النصابون لفرائسهم من المغفلين، هذه حقيقة، أما الحقيقة الأخرى التي سأبوح بها فهي أنني \"صامل\"، وطامع في ركنيات المخطط التجارية كلها، فهي بتراب الفلوس، لكنني قررت بدون أن يعلم أحد أن أستشير، وحيث لا أدري هل الموقع تابع لمدينة مكة أم مدينة جدة حتى أستشير واحداً من الأمينين، فقررت أن أستشير الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة فهو مسؤول عن المنطقة كلها. فهل أشتري ياسمو الأمير؟