طالب عدد من العلماء والخطباء المسلمين الصائمين باغتنام العشر الأواخر من رمضان التي اقبلت بخيرها عليهم امتثالا واقتداء بسنة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام وذلك بعد مضي ثلثي الشهر وعدوا هؤلاء العلماء والخطباء هذه الأيام بالأوقات الثمينة مبينين فضائلها العظيمة والتي فيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر مشيرين إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في احيائها وحث الناس على اغتنام فضلها. حيث وجه سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ الأمة إلى اغتنام أيام وليالي شهر رمضان خاصة هذه الأيام العشر الأخيرة فيه والتي اقبلت على المسلمين بخيرها وفضلها. وقال سماحته عن هذا الشهر إنه شهر عظيم عظم الله شأنه ورفع ذكره وأعلى قدره، شهر تكرم الله به علينا ألا وهو صيام شهر رمضان المبارك فعلى المسلم أن يظفر به وبما فيه من فضائل ومكرمات خاصة لياليه الأخيرة التي كان فيها الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أقبلت شد مئزره وبدأ في إيقاظ أهله وحث صحابته على اغتنامها وأخذ في الاعتكاف والانقطاع في المسجد عن أمور الدنيا حتى تنقضي أيامها. لقد خص الله هذه الأمة في هذا الشهر بالأجر العظيم والثواب الجزيل ومضاعفة الحسنات ما لم يكن لأمة قبلنا. وقال سماحته: لقد أوجد الله في هذه الأيام أسباب الخير الموفورة وأسباب الشر المقيدة فلير كل منا ربه من نفسه خيراً فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله وغفرانه والعتق من نيرانه. رحمات وبركات بينما قال معالي الشيخ صالح بن عبدالله بن حميد رئيس مجلس الشورى وإمام وخطيب المسجد الحرام إن أيام الشهر تتقلص، ولياليه الشريفة تتقضَّى، تتقلص تتقضى شاهدة بما عملنا، وحافظة لما أودعنا، هي لأعمالنا خزائن محصنة، ومستودعات محفوظة، ندعو يوم القيامة: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ ينادي ربنا: (يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه). هذا هو شهرنا، وهذه هي نهاياته، كم من مستقبل له لم يستكمله... وكم من مؤمل بعود إليه لم يدركه... هلا تأملنا الأجل ومسيره، وهلا تبينا خداع الأمل وغروره.وقال معاليه: إن كان في النفوس زاجر، وإن كان في القلوب واعظ، فقد بقيت من أيامه بقيةٌ. بقية وأي بقية، إنها عشره الأخيرة. بقية كان يحتفي بها نبيكم محمد أيما احتفاء. في العشرين قبلها كان يخلطها بصلاة ونوم، فإذا دخلت العشر شمر وجد وشد المئزر. هجر فراشه، أيقظ أهله، يطرق الباب على فاطمة وعلي رضي الله عنهما قائلاً: (ألا تقومان فتصليان) يطرق الباب وهو يتلو: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلواةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) ، ويتجه إلى حجرات نسائه آمرا: (أيقظوا صواحب الحجر فرب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة). (ألم يكن النبي إذا بقي من رمضان عشرة أيام لا يدع أحدا من أهله يطيق القيام إلا أقامه). أو قال مخاطبا المسلمين: قدموا لأنفسكم وجدوا وتضرعوا. تقول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: يا رسول الله: أرأيت إن علمت ليلة القدر ماذا أقول فيها ؟ قال قولي: (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني). فعليكم بالدعاء . فلنعج في شهرنا هذا بالدعاء. فقد قال ربكم عز شأنه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون). أتعلمون من هم هؤلاء العباد؟ الخلائق كلهم عباد الله. ولكن هؤلاء عباد مخصوصون إنهم عباد الدعاء، عباد الإجابة، إنهم السائلون المتضرعون سائلون مع عظم رجاء ومتضرعون في رغبة وإلحاح: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ. إن للدعاء شأنا عجيبا، وأثرا عظيما في حسن العاقبة، وصلاح الحال والمآل والتوفيق في الأعمال والبركة في الأرزاق. إن نزع حلاوة المناجاة من القلب أشد ألوان العقوبات والحرمان. ألم يستعذ النبي من قلب لا يخشع وعين لا تدمع ودعاء لا يسمع؟. إن أهل الدعاء الموفقين حين يعُجُّون إلى ربهم بالدعاء، يعلمون أن جميع الأبواب قد توصد في وجوههم إلا بابا واحدا هو باب السماء. باب مفتوح لا يغلق أبدا، فتحه من لا يرد داعيا ولا يخيب راجيا. فهو غياث المستغيثين، وناصر المستنصرين، ومجيب الداعين. وتابع ابن حميد: يجتمع في هذه الأيام أوقات فاضلة وأحوال شريفة. العشر الأخيرة، جوف الليل من رمضان، والأسحار من رمضان، دبر الأذان والمكتوبات، أحوال السجود، وتلاوة القرآن، مجامع المسلمين في مجالس الخير والذكر، كلها تجتمع في أيامكم هذه. فأين المتنافسون؟. ويجمل الدعاء وتتوافر أسباب الخير ويعظم الرجاء حين يقترن الاعتكاف، فقد اعتكف رسول الله هذه الأيام حتى توفاه الله. وعرج ابن حميد على فضل الاعتكاف فقال: المعتكف ذكر الله أنيسه، والقرآن جليسه، والصلاة راحته، ومناجات الحبيب متعته، والدعاء والتضرع لذته. إذ أوى الناس إلى بيوتهم وأهليهم، ورجعوا إلى أموالهم وأولادهم لازم هذا المعتكف بيت ربه وحبس من أجله نفسه، ويقف عند أعتابه يرجو رحمته ويخشى عذابه، لا يطلق لسانه في لغو ولا يفتح عينه لفحش ولا تتصنت أذنه لبذاءٍ. سلم من الغيبة والنميمة جانب التنابز بالألقاب، والقدح في الأعراض، ومسارقة الطبع من الأخلاق الرديئة، استغنى عن الناس وانقطع عن الأطماع، علم واستيقن أن رضا الناس غاية لا تدرك. في درس الاعتكاف انصرف المتعبد إلى التفكير في زاد الرحيل وأسباب السلامة، السلامة من فضول الكلام، وفضول النظر، وفضول المخالطة. في مدرسة الاعتكاف يتبين للعابد أن الوقت أغلى من الذهب فلا يبذله في غير حق، ولا يشتري به ما ليس بحمد، يحفظه عن مجامع سيئة، بضاعتها أقوال لا خير في سماعها، ويتباعد به عن لقاء وجوه لا يسر لقاؤها. وأضاف: أوقات فاضلة تشغل بالدعاء والاعتكاف، وتستغل فيها فرص الخير وإن من أعظم ما يرجى فيها ويتحرى ليلة القدر: وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القدر من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. ليلة خير من ألف شهر، خفي تعينها اختبارا وابتلاء، ليتبين العاملون وينكشف المقصرون، فمن حرص على شيء جد في طلبه، وهان عليه ما يلقى من عظيم تعبه. إنها ليلة تجري فيها أقلام القضاء بإسعاد السعداء وشقاء الأشقياء: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ولا يهلك على الله إلا هالك. التقرب إلى الله من جهته تناول إمام وخطيب جامع ابن معمر الشيخ سامي زمزمي فضل العشر الأواخر من رمضان فقال فضيلته: علينا التقرب إلى الله عز وجل بالعمل الصالح فيما بقي من أيام وليالي هذا الشهر الكريم، فها هو الشهر قد مضى نصفه وكثيرٌ من الناس مُكِبٌّ على شهواته وغفلاته، فليحاسب كلٌ منا نفسه، ماذا قدم من عملٍ صالح؛ فيستمر عليه، وماذا فرط فيما مضى، فيتدارك ما بقي من أيام وليالي في هذا الشهر المبارك. ومن يدري أيتم هذا الشهر أم يكون من عداد الموتى؟ . وتابع الشيخ السديس يقول:على كل مسلم أن يعرض نفسه لمواطن مغفرة الله عز وجل، فإننا في عشر المغفرة كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم، وليعلم كل مسلم أننا نستقبل العشر الأواخر من هذا الشهر العظيم، عشر العتق من النيران، فليستعد لها بالعمل الصالح، أسوةً بنبيكم صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيرها) وفي الصحيحين عنها رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظَ أهله). فلنستعد جميعا فإن من اغتنم هذه الأوقات قبل فواتها لعله يحظى بمغفرة الرحمن، والعتق من النيران، والشقي من استمر في غيه وجهله، وضلاله؛ فضيع الأوقات واتبع الشهوات، فيندم حيث لا ينفع الندم. الأعمال الصالحة من جهته أشار الدكتور عبد الباسط بن جابر المدخلي عضو لجنة التوعية الإسلامية في الحج والعمرة والزيارة وعضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى إلى أهمية أحياء ليالي هذه العشر والحرص على اغتنام ساعات وليالي هذه الأيام والليالي الفاضلة وذلك بالصلاة والذكر وقراءة القرآن الكريم والدعاء والتضرع للله تعالى والخشوع له والانطراح بين يديه مع سائر القربات والطاعات فقيام الليل وإحياؤه بالصلاة والدعاء في أيام السنة من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومن الأعمال التي حضنا عليها حبيبنا الكريم. ومن الأعمال الصالحة في هذه الليالي على وجه الخصوص تلاوة القرآن الكريم بتدبر وخشوع وتفكر وتمعن فرمضان شهر القرآن”شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان” فعلى المسلم ان يحرص على كثرة تلاوة كتاب الله في هذه الليالي. كذلك من العمال الفاضلة أيضا في هذا الشهر سنة الاعتكاف في المساجد التي يصلي فيها وهي سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم. ومن العمال كذلك تحري ليلة القدر والاجتهاد في العبادة...ومضى المدخلي يسرد بعضا من الأعمال الصالحة والفاضلة التي يجب أن يقوم بها المسلم في هذه الليالي من العشر الأواخر من رمضان. الاجتهاد في الطاعة وتساءل رئيس لجنة الدروس والمحاضرات بمندوبية المعابدة الشيخ مطلق بن عمار عن الأعمال التي يجب أن نفعلها في هذه الليالي فقال: ونحن نستقبل هذه الأيام والليالي العظيمة التي اصطفاها الله عز وجل واختارها على غيرها من الليالي فما نحن فاعلون فيها؟ وكيف نستقبلها؟ وكيف نستثمرها؟ فهل نستقبلها بما كان يستقبلها النبي صلى الله عليه وسلم ويحث فيها على تحري ليلة القدر؟ فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان منكم متحريا فليتحرها في السبع الأواخر). أم أننا نستقبلها باللهو والذهاب إلى الأسواق بحجة شراء لوازم العيد وغيره وباللعب وبضياع الأوقات فيما لاطائل من ورائه ، وهذا حال كثير من الناس عند دخول شهر رمضان وعند دخول العشر الأواخر منه وهذا والله من تلبيس الشياطين عليهم. خلوة وعزلة من جانب آخر طالب الشيخ مصلي الهذلي بالحرص على هذه العبادة ومتابعة النبي لمن ينتهجون نهجه بوضعه صلى الله عليه وسلم درسا عظيما في أهمية الانقطاع إلى الله سبحانه وتعالى والتحرر من الشواغل والمسؤليات كائنا من كان صاحبها في الدعوة والعلم والتربية والجهاد فضلا عن أمور الدنيا. ولابد في هذه الروح من خلوة وعزلة لبعض الوقت والعشر الأواخر بما فيها من العبادة والاعتكاف تحقق هذه الخلوة والعزلة والانقطاع عن الناس وأمور الدنيا. بينما قال د. عبدالعزيز الفوزان إذا كان قد ذهب من هذا الشهر أكثره فقد بقي فيه أجلّه وأخيره.. لقد بقي فيه العشر الأواخر التي هي زبدته وثمرته، وموضع الذؤابه منه، ولقد كان صلى الله عليه وسلم يعظم هذه العشر ويجتهد فيها اجتهاداً حتى لايكاد يقدر عليه يفعل ذلك صلى الله عليه وسلم وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فما أحرانا نحن المذنبين المفرطين أن نقتدي به صلى الله عليه وسلم فنعرف لهذه الأيام فضلها ونجتهد فيها لعل الله أن يدركنا برحمته ويسفعنا بنفحة من نفحاته تكون سبباً لسعادتنا في عاجل أمرنا وآجله روى الإمام مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان الرسول صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لايجتهد في غيره). وفي الصحيحين عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يخلط العشرين بصلاة وصوم ونوم فإذا كان العشر شمر وشدّ المئزر. فقد دلت هذه الأحاديث على فضيلة العشر الأواخر من رمضان من شدة حرص النبي صلى الله عليه وسلم على اغتنامها والاجتهاد فيها بأنواع القربات والطاعات وينبغي لك أيها المسلم أن تفرغ نفسك في هذه الأيام وتخفف من الاشتغال بالدنيا وتجتهد فيها بأنواع العبادة في صلاة وقراءة وذكر وصدقة وصلة للرحم وإحسان إلى الناس فإنها والله أيام معدودة ما أسرع أن تنقضي وتطوى صحفها ويختم على عملك فيها وأنت والله لاتدري هل تدرك هذه العشر مرة أخرى أم يحول بينك وبينها الموت بل لاتدري هل تكمل هذه العشر وتوقف لإتمام هذا الشهر فالله الله في الاجتهاد فيها والحرص على اغتنام أيامها ولياليها وينبغي لك أيها المسلم أن تحرص على ايقاظ أهلك وحثهم على اغتنام هذه الليالي المباركة ومشاركة المسلمين في تعظيمهم والاجتهاد فيها بأنواع الطاعات والعبادة ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فقد كان إذا دخل العشر شد المئزر وأحيا ليله وأيقظ أهله وايقاظه لأهله ليس خاصاً في هذه العشر بل كان يوقظهم في سائر السنة. ولكن ايقاظهم في هذه العشر كان أكثر واوكد: قال سفيان الثوري أحب إليّ إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل ويجتهد فيه وينهض أهله وولده إلى الصلاة إن اطاقوا ذلك.