يقولون العجائب في الدنيا سبع . ولا تطالبوني بِعدِّها ؛ ولكن الثامنة ليست كافوراً الأخشيدي الذي عدَّه المتنبي أوَّلها مع أنه آخرها؛ حينما غضب عليه لأنه أطمعه في إقطاعه أرضاً لم يظفر بها مع طول مكثه في أرض مصر فقال يهجوه : يُعَدُّ إذا عُدُّ العجائب أولاً=كما يبتدأ في العدِّ بالإصبع الصغرى ! وهذا البيت يعد من عجائب المتنبي . ولكن ثامنة العجائب ؛ ما وقع لي : جاءني رجل كبير في السن ؛ قد بلغ الثمانين من عمره ؛ لست أعرفه إلاَّ لِماماً ؛ ألقاه في كل عامٍ مرتين منذ سنة ؛ له لحية حمراء تزين وجهه الوقور ؛ فسلم عليّ بعد صلاة عشاء ليلةٍ ؛ فقبّلت رأسه ممتثلاً قول الرسول صلى الله عليه وسلم \" إن من إجلال الناس إكرام ذي الشيبة المسلم \" ...ثم فوجئت به يرجوني أن أذهب معه إلى منزل قريبٍ له ؛ لأرقي ابنه ! ، وشكا إليّ بعبرة يقطر منها الحزن والأسى ، والدمعُ يتقاطر من عينيه ، وقال : إن ابنه قد أُصيب بالصرع مغرب هذا اليوم . فحاولت جاهداً أن أعتذر منه لارتباطي بموعدٍ سابق يجب أن أذهب إليه ؛ فلم يقبل عذري ؛ وقال باللهجة العامية الأبوية الحانية \" تكفى يا وليدي الله يرحم والديك \" .. فوافقت مكرهاً ؛ ولأنني أيضاً لست ممن يقرؤون على الناس ؛ يرقونهم فيأخذون أضعاف ما يأخذه موظف في شركة أرامكو منذ أربعين سنة ! بنفثةٍٍ واحدة . ( قارورة) ماء الصحة بأربعة ريالات في البقالات إذا غلا سعرها وكبر حجمها ؛ فما بالها إذا وقعت تحت أفواههم وريقهم يغلى سعرها حتى تبلغ خمسين ريالاً فيعتقد السذج من العامة أن فيها شفاءً لا يقبل الجدل ؛ وهكذا سعر الزيت ؛ زيت الزيتون ؛ يكاد يضاهي سعر برميل البترول في السوق السوداء هي الأيام ؛ وما السر فيه إلاّ أن فلاناً نفث فيه فطار سعره حتى بلغ عنان السماء .. ولست أعمم لكن الأعم الغالب هذا وضعهم حتى صار الناس فريقين ؛ فريق ينفي جدوى الرقى؛ ويتهم الرقاة كلهم بالدجل والشعوذة ويجد العلمانيون عند هؤلاء مرتعاً خصباً لبث خبثهم ونفث شرورهم . وفريق آخر يعتقد أنها تنفع بذاتها وليس بإذن الله وقدرته .. والصواب أنها مندوبة إن كانت بما بيّنه أهل العلم الثقات من شروط ....(1) ولم يبلغنا أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع أهل المدينة كلهم وأدخلهم من باب وأخرجهم من الآخر لكي يرقيهم ؛ كما يفعل بعض هؤلاء الذين يحشدون عشرات الناس من عقلاء ومجانين ويقرؤون عليهم عبر مكبر الصوت فيتهافتون تهافت الفراش في النار ؛ بين مريض حقاً ؛ وخائف انخلع قلبه من هول ما رأى ؛ فاختلط الحابل بالنابل ؛ وأتحدى رجلاً منهم يأتينا بدليل على أن القراءة الجماعية على الناس بتلك الطريقة سنةٌ . خرجت بكم عن القصة ! وافقت مكرهاً ؛ وذهبت إليهم ؛ فوجدت ابنه قد أناف على العشرين سنة بثلاثة أعوام ؛ وإذا به يرقد على فراشٍ أعدوه له في صدر المجلس ؛ وقد دثروه ب(البطانيات ) الثقال ! ؛ وكان شبه فاقد الوعي إلاّ أنه يتكلم بلسان أعوج ؛ والدمع يكف من عينيه على مخدته ؛ وأبوه هذا الطاعن في السن يحنو عليه وينحني يقبله ويناديه باسمه ويبكي بكاء يقطّع القلب .. ويناديه باسمه ؛ يا ........ فيجيبه بلسانه المعوجّ ؛ وبصوت مخنوق( لبيك )! . أماأنا فقد استعنت الله تعالى وسميت الله ووضعت يدي على جبينه ؛ ومكثت قريباً من ساعة إلاّ ربعاً أقرأ عليه الآيات التي تزلزل جبال السروات ؛ فلا أراه يتحرك ... سوى أنه يردد كلاماً .. يطلب أباه وضع يده على لحيته ويتحسسها ويخبر أباه أنه يحبه .. أتظن أنني لا أحبك ؟ وأبوه المسكين ؛ يذرف الدمع ويحتضنه بين ذراعيه ؛ ثم ختمت قراءتي عليه .. بعد أن تبين لي أمرٌ كدت أنا الذي أصرع من جرائه ! ذلك أن صاحبي المصروع هذا تنبعث من فيه رائحة الخمر !! .. يعني أنني رقيت سكران خمسة وأربعين دقيقة .. وأظنها أول مرة في التاريخ ..رقية على سكران !. وأبوه المسكين يستخبرني عن حاله هاه يا وليدي طمنّي الله يبارك فيك) .. قلت له : لا .. الحمد لله ابنك بخير إن شاء الله ؛ ما فيه إلا العافية .. وأظن أن به عيناً ! .. ولم أكذب فإن له عينين ولساناً وشفتين .. لكنه سلك أحد النجدين ؛ سلك الطريق المختصر المؤدي إلى جهنم .. ثم استأذنت وقد استأت لهذا الأمر المضحك المبكي ؛ ويا حسرة على موعدي الذي أخلفته من أجل أن أرقي سكران أفندي هذا !. لحق بي قريبٌ له تبين لي أنه ابن عمه فقال لي : ما الأمر ؟ قلت : لا شيء ؛ كما سمعت به عيون ! قال : اصدقني الخبر يا شيخ أرى في وجهك أمراً غير هذا .. قلت : فإنه سكران والسلام . فصعق ؛ وكاد يسقط على الأرض من الحياء ؛ ثم قال : اذهب أنت الآن وأسأل الله لك التوفيق وأعتذر لك والله عما حدث ؛ لكنه أمر الله في صباح اليوم التالي وبعد أن قضينا صلاة الفجر ؛ جاءني الأب فرحاً مستبشراً ؛ يتهلل وجهه ويخبرني أن مصروع أفندي قد استفاق بعد نصف الليل وهو الآن بخير و أنه يدعو لي !! تخيل ! * * * في ضحى النهار ؛ جاءني ابن عم الشاب وبرفقته الشاب نفسه ؛ في مقر عملي ؛ ففاجئاني بزيارتهما ؛ فجلسا أمامي .. فإذا صاحبنا المصروع يطأطأ رأسه ؛ ويلقي ببصره على الأرض .. والخجل يتقاطر من وجهه .. اتجهت إليه مستفهما بيدي أن : ما الذي حدى بك إلى شرب الخمر وأنت في هذا السن الطري ؛ وقد حباك الله تعالى أباً لا يعرف في عمره إلاّ ملازمة المساجد والاجتهاد في العبادة .. وكلاماً نحو هذا .. فأجهش بالبكاء ؛ ثم أخبرني بأن هذه أول مرة في حياته يقدم على شرب الخمر وكانت تجربة قاسية له . قال : كنت أريد أن أنسى همومي التي ابتليت بها ؛ مع قلة الناصر؛ وفقدان المعين ..ثم علمت بأن له أخاً ابتلي به؛ ليس يسقيه الخمر ؛ ولا يعينه على المنكرات ؛ بل إنه من الدعاة إلى الله تعالى ! قد حرم عليهم كل شيء ؛ وأحصى عليهم أنفاسهم في البيت وحاسبهم قبل يوم الحساب ؛ وسامهم سوء العذاب ؛ حتى إنه أجبرهم على دخول مدرسة تحفيظ القرآن .. معاذ الله ؛ ولكنه له ميول علمية دنيوية وهو يعلم أنه سيفلح فيها ويكون من المتفوقين . قال: والقرآن لم أهجره ؛ بل إنني ملتحق بحلقة التحفيظ المقامة في مسجد الحي ... فأخفقتُ في الدراسة .. ثم تخرجت منها بعد أن بلغت روحي الحلقوم ؛ فالتحقتُ بعد تخرجي منها بجامعة ( الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض ) ولا أزال أعاني مالا تعانيه الصُّمُ الصِّلاب ؛ من بُعْد الشُّقّة بيني وبين من كنتُ أظنه عوناً لي من أهلي ؛ ومن جفوة هذا الأخ الذي حبّب إليّ الكفر والفسوق والعصيان .. أستغفر الله ! ؛ مع أنني لم أترك الصلاة في حياتي إلاّ عشاء البارحة ! فلم أقضها إلى هذه الساعة !...فكنتُ في الجامعة أسوأَ مني في مدرسة تحفيظ القرآن . أتعلمُ كم بلغ مُعدلي التراكمي الآن ؛ مع أنني في المستوى السادس الجامعي ؟! أي مضى على التحاقي ثلاث سنوات ؟. قلت : كم ؟ قال: 1,85 ! قلت : لكن هذا ليس مبرراً لشرب الخمر .. قال : يا شيخ بارك الله فيك .. أتسمع قصتي حتى أنهيها .. قلت : تفضل ! قال : هل تعلم أن أخي الأكبر هذا يركّب ساعته المنبهة على الثالثة والنصف بعد نصف الليل فيقوم .... قاطعته ؛ قلت : الحمد لله هذا يدل أن أخاك عابدٌ من الطراز الأول ؛ وقلّ أن يوجد بين الشباب الملتزم من يقوم الليل ؛ فقيام الليل شرف المؤمن و.... قال : ألم أقل لك بارك الله فيك اسمح لي أكمل لك .. قلت : آسف .. تفضل . قال : هو يقوم الليل ؛ لا ليصلي ويتهجد ويفعل ما ذكرت ؛ ولكنه يستيقظ لكي يبحث عنا في فرشنا فإذا لم يجدنا ركب سيارته ؛ وجاب شوارع الرياض كلها للبحث عنا ؛ فإذا لم يجدنا عند أحد من أقاربنا .. أقام الدنيا ولم يقعدها .. ويأخذ برؤوسنا ويجر الواحد منا بشعره أمام خلق الله وكأننا ارتكبنا الشرك الذي لا يغفره الله .. فكُنّا نتصور أن جميع من أطلق لحيته وقصّر ثيابه على هذا المنوال ؛ حتى أنه كان يغري بنا والدنا ويشوه سمعتنا لديه ويشمُّ أفواهنا ليتأكد من عدم شربنا للدخان وهكذا أعيش في كنف الحجاج بن يوسف الثقفي الذي كان يقتل بالظن .. والشبهة .. وكم مرة فكرت فيها في الانتحار لولا تذكري عذاب الله ؛ ونار جهنم .. يا شيخ ! هل كل من التزم بالدين مطالب بأن يسوم العباد سوء العذاب ؟! * * * أيها القراء الكرام .. لا تظنوا بي السوء ! أو أنني إنما كتبت لأنال ممن حمل دين الله ؛ أو أنني أوافق الشاب على كل ما ذكر.. ولكنني أتساءل .. ألم يبعث الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران:159) وقال (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) (فاطر:8) وقال (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4) وقال (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة:128) وقال – واقرؤوها جيداً - (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الانبياء:107) أمعقول أن نقرأ هذه الآيات ثم نتخذها وراءنا ظهرياً ؟ فلا نعمل بها مع علمنا أن الله تعالى قال (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب:21) فهل من المعقول أن يُبعث النبي عليه الصلاة والسلام رحمةً للعالمين ويكون بعضنا – معاشر الدعاة- عذاباً على العالمين ؟! نحصي عليهم أنفاسهم ونتبع عوراتهم وعثراتهم ؟ ونلغي من حياتنا مبدأ الرأفة والرحمة والشفقة التي كادت تذهب بنفسه عليه الصلاة والسلام حرقة على العاصين من قومه حتى طمأنه ربه بقوله تعالى (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) (فاطر:8) ونلغي مبدأ الستر ؛ لا تقولوا هذا كلام من يتصنع المثالية . فإنني والله لأعاني من بعض ما ذكرت وأسأل الله تعالى أن يعينني على إصلاح نفسي قبل نصح الناس ولكن عزائي : ولو لم يعظ في الناس من هو مذنبٌ=فمن يعظُ العاصين بعد محمد؟ صلى الله عليه وسلم . إن هذا الأخ المستقيم هو مريدٌ للخير لا محالة ؛ ولكن كم من مريد للخير لم يصبه ، ولم يوفق إليه ؛ يريد نفعاً فأضرّ ؛ وكيف لو علم أن أخاه من جراء قسوته عليه لجأ إلى شرب الخمر لينسى همومه كما قال ... ألا يتحمل نصيباً من وزره إن لم يكن الوزر كله ؟! مع أن أخاه هذا ( صاحبي)! شاب يبدو أنه ذو حياء واستحياء ؛ وطيب تعاملٍ بل هذا هو الواقع كما حدثني عنه أقرباؤه ؛ ولم يجاهر قط بمعصية يوماً أمام أخيه أو أبيه .. فكيف لو جاهر بها ؟! . كيف لو أنه أتى إلى أخيه يوماً يطلب منه أن يعيره سيارته ليذهبَ يركبُ فيها من يزني بها ؟!! كيف ستكون ردة فعله ؟ ألا يسوي به الأرض ؟ وربما اقتاده إلى أقرب مركز هيئة ؛ أو أقرب محكمة ليعلن على رؤوس الأشهاد والقضاة أن أخاه هذا زانٍ يستحق أن يقام عليه الحد . ما هو قولكم لو أخبرتكم وأنتم تعلمون ما سأقول .. أن شاباً من شباب الأنصار ؛ يتفجر شباباً وحيوية جاء حتى جلس في أعظم مجلس وُجد على وجه الأرض ؛ مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام . لقد جاء لحاجة دارت أعين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سمعوه يتفوه بها أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وهمّوا أن يبطشوا به .. أتعلمون ماذا كانت حاجته ؟ إنه يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزنا ! نعم في الزنا واقرؤوها جيداً .. جاداً غير هازل ؛ أيهزأ أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أيعقل أن يتجرد من حيائه ويطلب الزنا مازحاً ؟! بل كان يعي ما يقول .. فماذا قال له المبعوث رحمة للعالمين .. ونحن كثيراً ما نقول هذه الجملة إذا استفتحنا بها خطبنا ونتشدق ولا نعلم معناها ؛ إنه رحمة للعالمين كل العالمين وليس المسلمين فحسب ؛ رحمةٌ حقيقة لا خيالاً .. قال له : ادن مني يا بني ( وأنا أكتب من ذاكرتي بعيداً عن كتبي فاعذروني إن زللت ) فدنا منه .. فقال له صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي : أترضى الزنا لأمك .. قال الشاب ( وقد بلغت به الغيرة مبلغها ) : لا ؛ حتى يخيل إليّ أنني أسمع رجع صداها من ناحية جبل أحد .. وترددها ضواحي طيبة الطيبة كلها .. كيف يرضى الزنا لأمه الحبيبة الغالية ؟ فقال عليه الصلاة والسلام برأفته المعهودة : كذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم . أترضاه لأختك ؟! قال : لا .. قال صلى الله عليه وسلم كذلك الناس لا يرضون . أترضاه لعمتك .. لخالتك .. فعدد المحارم .. والشاب يجيب : لا ؛ فداك أبي وأمي .. والنبي صلى الله عليه وسلم يجيب : كذلك الناس لا يرضون . عندها قال الشاب: ادع لي يا رسول الله ! فقال صلى الله عليه وسلم - بعد أن وضع يده على صدره – اللهم طهر قلبه وحصن فرجه . فقام الشاب من عنده وأبغض شيء على وجه الأرض عنده الزنا . ألم يكن بوسعه صلى الله عليه وسلم أن يقول منذ الوهلة الأولى : يا بني اقرأ القرآن ؛ ففيه كل آيات تحريم الزنا ؟ أو .. يا بني : لقد تجرأت على مقام النبوة وانتهكت حرمة مجلسي وهيبتي أمام صحبي ؟ أو .. يا بني : لقد رجمنا ماعزاً بالأمس والغامدية لأنهما زنيا ؛ فهل تريد أن ترجم ؟.أو .. يا عمر يا أبا حفص ! أرحنا منه بقطف رأسه وانتم تعلمون من هو أبو حفص رضي الله عنه ؛ وهو مَن إذا قال فعل . لا لم يكن ذلك . وإنما كانت الرحمة بهذا الشاب سبباً في أن يبغض الزنا بغضاً عظيماً . * * * أين نحن من هذه الأخلاق النبوية العظيمة (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) أم أننا نريد فقط فتح أبواب جهنم في وجوه العباد ؛ وإغلاق أبواب جنة عرضها السموات والأرض في وجوههم ؟! ؛ ونقنّط العباد من رحمة ربهم ؛ ونظن بخلق الله أسوأ الظن ؛ ونجعلهم بحمقنا يتجرءون على معصية الله ويفعلونها بعد إذ لم يكونوا كذلك ؛ ونيأس من توباتهم . ولو كانت توبة العباد إلينا لربما لم نقبلها إلاّ بشروط معجزة كشروط القبول في الكليات العسكرية في القرن الخامس عشر ؛ إلاّ أن تلك تقبل الواسطة ! وهذه لا تقبلها ! . فهل نعي آيات ربنا التواب الرحيم ؛ الرؤوف الكريم ؛ الرحمن ؛ غافر الذنب وقابل التوب ونرحم عباد الله (كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ )؟ . انتهى المقال . السلام عليكم . تصبحون على خير . ------------------------ (1) - يعجبني بعض من ابتلي بعلاج الناس بالرقى ؛حيث يبدأ بدرس في العقيدة ؛ يوضح للناس فيه أن التعلق لا يكون إلا بذات الله وحده ؛ وما الرقية إلا سببٌ قد تنفع وقد لا تنفع .. وما أحسن الاعتماد على النفس في الرقية بعد الاعتماد الله تعالى ؛ واستخدام الرقى النبوية ؛ وقراءة الفاتحة والنفث على مكان الألم .. وراجعوا كلام ابن القيم رحمة الله عليه في الجواب الكافي ومدراج السالكين عن أسرار الفاتحة. * مقال خاص بصحيفة \"شبرقة\" الإلكترونية.