الإنجازات تتحدث عن نفسها، الأفعال أبلغ من الأقوال. هذا منهج سعودي قديم جدا. قلت في مقالات سابقة، إن المملكة لم تعتمد أبدا على \"الحنجرة والمايكروفون\" في تسويق منجزاتها، ولا مواقفها، ولا عطاءاتها، حتى عندما كان البعض يشتمونها ويكيلون لها التهم، كانت قياداتها المتعاقبة تمنع وسائل إعلامها من الرد، بل كانت تعاقب أي صحفي أو مثقف سعودي يدخل في نقاش في هذا الخصوص، فالمملكة ترى – وهي محقة – أن الشتائم والمهاترات \"والمايكروفونات\" وسيلة العاجزين عن الفعل. ونجحت سياستها في هذا الميدان، لم يضع وقتها في \"الصياح\" وإثارة الغبار، وذر الرماد في العيون، استغلت هذا الوقت في بناء نفسها ماديا ومعنويا، انصرفت إلى الفعل في الميدان الحياتي، وتركت أفعالها تتحدث. \"الشعارات\" سواء كانت بريئة حقيقية مخلصة، أو ملغمة مزيفة فارغة، تتطلب تسويقا دعائيا، حملات إعلامية، منابر ومنبريين، حناجر ومايكروفونات. أما \"الأفعال\" فلا تحتاج شيئا من ذلك، وإن احتاجت فإن مسوقها لا يتعب، ولا يحتاج حيلة، ولا حتى بلاغة، لأن الدليل في متناول اليد، والحقيقة لا يمكن تغطيتها مهما كثر اللغط حولها، أو حاول البعض تعميتها. هذه الأيام. الملك عبدالله بن عبدالعزيز يزور طيبة الطيبة. وسائل الإعلام مكتوبة ومسموعة ومشاهدة، تتنافس فيما بينها في تقديم شواهد التنمية، وحقائق المشروعات \"المليارية\" التي بعضها يفتتحها الملك بعد أن انتهت، وبعضها يضع حجر أساسه وانطلاقته، وبعضها يطلع على دراساته ومراحل تنفيذه. لم تستطع وسيلة إعلامية واحدة أن تقدم رصدا شاملا وموسعا لجميع المشروعات لكثرتها وتنوعها وثرائها، ولكن التغطية كانت في عمومها جيدة. فما فات هذه الوسيلة الإعلامية تداركته تلك، وما لم يتحدث عنه أمير المدينةالمنورة الأمير عبدالعزيز بن ماجد في حديثيه الموسعين مع صحيفتي \"عكاظ\" و\" المدينة\"، تحدث عنه مديرو الإدارات الأخرى، وما لم ينشر أو يذع في يوم الزيارة نشر أو أُذيع في اليوم التالي، واليوم. وهكذا كان التنافس الإعلامي منصبا ومركزا على إبراز الأفعال من الميدان، وليس تسويق \"الشعارات\" أيا كان نوعها. الملك عبدالله يتوج مرحلة تنموية كبرى هي امتداد لمراحل سابقة، لكنها الأكبر والأضخم، والأعمق، وهي بضخامتها وعمقها وشموليتها واتساعها تؤسس لمراحل قادمة ستجد أمامها تحديا أكبر وأضخم لكي تضيف الأجمل. وهكذا فالمملكة تتحدى نفسها، أو تصنع التحدي لنفسها، يتنافس قادتها منذ تأسيسها في تكريس البناء، والوحدة وتضخيم صور التنمية في كل شبر وعقل، يأتي الخلف فينظر فيما فعل السلف باحترام وتقدير وإحساس عميق بالامتنان لما فعل. ثم يتذكر ما قاله المؤسس العظيم: \"ونبني فوق – وليس مثل – ما فعلوا\". فيضعه نبراسا وقدوة، ثم يشرع في مواصلة المسيرة الجميلة، بطموح وعقلانية، وإخلاص. الملك عبدالله بن عبدالعزيز يقود تحولا تاريخيا في حياة المملكة العربية السعودية شاملا الإنسان والمكان، والتحولات الكبرى في حياة الأمم والشعوب لا يصنعها إلا العظماء.