** إذا قلنا إن جدة تشهد اختناقات مرورية، وجدنا وسط الكثرة الموافقة على هذه الحقيقة، من يقول إن السبب هو في مشاريع البنية التحتية التي تمثل ما يشبه ورش العمل العريضة في عدة شوارع، وكذلك هناك من يدافع ويقول إن المدينة تشهد مواسم للذروة، هي السبب في هذا الارتباك المروري، وقد تجد ثالثاً يقول إن سعة الشوارع هي ذاتها منذ ثلاثين عاماً لم تتوسع!!. ** في يقيني أن ما تقدم صحيح، ولكن الصحيح كذلك أن العديد والعديد من شوارع جدة، تحتاج إلى (إعادة تصميم) للمخارج والمداخل، بما يحقق انفراجات مرورية، يمكن لها أن (تُسيّل) الحركة، وتذيب جليد تكدسها، وتمنحها شيئاً ملحوظاً من المرونة، بعد أن صار رجل الشارع العادي فضلاً عن الخبير يرى هذا الشارع أو ذاك وقد تحول إلى صندوق مغلق يحشر الحركة المرورية داخله، تحت رحمة إشارة مرور ضوئية، تتكدس وراءها عشرات السيارات صباحاً ومساء وظهراً وعصراً وحتى منتصف الليل.. وصيفاً وشتاءً، وفي رمضان والحج، وفي غيرهما. ** الآن وأنا أتحدث عن مدينة جدةالمدينة التي أعيش فيها واتعايش معها يومياً فإنني أعجب من ديمومة هذه الحالة حالة سوء تصميم فتحات الشوارع وبقائها على حالها كل هذه السنوات الطوال، وقد كنت أتمنى فقط أمنية لو أن أحداً من مرور جدة قد رافقني في جولة سريعة، تبدأ من عند باب الإدارة العامة لمرور جدة، لنرى معاً هذه الملحوظات، أقول هذا وأنا غير الخبير في شؤون المرور، لكنها ملحوظات يمكن للعين العادية أن تلتقطها بشكل واضح في أكثر من مكان من شوارع هذه المدينة العتيدة. ** ونقطة أخرى مهمة للغاية، وهي أن من آثار هذا التكدس المروري المهول في جدة، أنه قد جاء يتصادم حتى مع مصالح الناس، وقضائهم لمشاغلهم، فالذي لديه عدة مشاوير مهمة في أوقات متقاربة ولا تحتمل التأجيل، فإن الله كان في عونه، إذ والحالة هذه ستضيع عليه عدة مصالح، وتندلق من بين يديه عدة مواعيد كان يتطلع إلى حضورها في أوقاتها، لو كانت حركة المرور في المدينة انسيابية ومتناغمة.. ولك إذا شئت أن تسأل رهطاً من الناس، ممن لديهم برنامج عمل يومي حافل، كيف يكون عنصر المرور في الشوارع شبحاً يطارد خياله، وهمّاً ثقيلاً يقلقه!!. ** أقول هذه الملحوظات وأنا لا أدري بالضبط عن حجم العلاقة التي تربط مرور جدة مع الأمانة.. وهل الجسور بين الإدارتين مفتوحة، أم أنها مغلقة، وهل الإجراءات البيروقراطية التي اشتهرنا بها كدول للعالم الثالث من الأسباب التي تعيق انفتاح هاتين الإدارتين على بعضهما، وعلى نحو يحقق المصلحة.. وفي المقابل لابد لي أن أطرح فرضية أن العاملين في جهاز المرور بحاجة إلى عدة أمور مهمة، أولها زيادة عدد أفراد المرور وزيادة آلياته على نحو يتفق مع توسعات المدينة، فنحن كأناس نعبر شوارع المدينة يومياً، لا نرى وجوداً ظاهراً لجندي المرور ولا لآلياته في كل الاتجاهات، وهذا في الواقع مما ساهم في تراجع الخدمة المرورية عن ما نطمح إليه فعلاً في تقديري. ** أما ثانياً فإنني أعتقد أن جهاز المرور بحاجة إلى المزيد من جرعات بناء الكفايات الذاتية، واستثمار الطاقة الحالية بكل الأساليب الممكنة، والتفكير في خطط ابداعية أخرى كحلول آنية لزحمة المرور، ولعل من الطريف أنني عندما أرى جندي المرور في زاوية من زوايا أحد التقاطعات، فإنني أراه في وضع غير متأهب يتفق مع ضوابط وضعيته المعروفة، إذ كثيراً ما أجد أولئك وهم منهمكون في النظر إلى جوالاتهم.. إلى ذلك فإن تتابع فتح الإشارات في الشارع الرئيس تظل بدهية معروفة، ومتابعة الوقوف الخاطئ التي استساغها الجميع تقريباً قد صارت سمة مميزة وظاهرة ملحوظة، حتى وسيارة المرور تعبر المكان، كما أن إغلاق الجزء الخاص بالانعطاف يميناً عند الإشارة أصبح هو الآخر ظاهرة ملحوظة وتبديلاً لهذا الأمر، ثم بعد ذلك نتحدث عن توسعة الشوارع وغيرها؟