إن لم تتمكن في هذا الزمن من إتقان قراءة العقول ، والتعامل على أساس أن لكل عقل لغة ينبغي عليك فهمها وترجمتها فمعنى ذلك أنك تُرجع نفسك إلى قرنٍ ربما لن يكون في هذه الحياة ممر إليه أبدا ! ولا يعيشُ فيه غيرك . فمع تغير الأجواء والطقس في المناطق من ( جوٍ حار ) إلى ( جوِ بارد ) أو ( معتدل ) والعكس .. تتغير كذلك العقول من ساخنة حادة إلى باردة هادئة أو مغلقة جامدة ! ، وكما أن الناس يبحثون عن المناطق التي تميل إلى الاعتدال كذلك بعض العقول تبحث عن الاستقرار دون الاحتكاك بالعواصف التي تطرأ مع هذه التغيرات . وإن لم تكن أيضاً ماهر في قراءة لغة صاحبك أو من يجالسك فقد تُضفي على نفسك صفة الغباء والذلة والمسكنة ، فقد أصبحت ( الموضة ) ليس فقط في اللبس أو الأثاث أو المظاهر بشكل عام .. بل حتى وصلت لطريقة التعامل ( فاليوم تُعَامَل من شخص ما بطيب وغداً بعكسه ) فسبحان من يُغير ولا يتغير ! ، ومع الموضة فإنك مُلزم بتتبع كل جديد ( وهذا يعني ) أنك إذا لم تواكب فأنت متخلف ! ، ولو تأخرت لن تجد لك مقعداً بين أصحاب اللغات الراقية ! ، ولو أرشدت وأردت تقويم إعوجاج ما من وجهة نظرك ، سمعت هتافات ( هكذا كل الناس ! ) . فلغة الصديق الحميم تجدها صادقة قوية تأتيك من دون مقدمات .. حتى وإن كان فيها ما تكره .. ولغة المتلبس بعدة وجوه تجدها رقيقة تسحب منك ما يريده حتى تقع في براثن شبكته لتصبح أسيره .. وتطمئنك ألا تخاف ولا تحزن ! فأنت الأعلى عنده . ولغة الصدق والكذب معاً لابد أن تسقط إحداهما بالذي يغلب على ضمير صاحبه . وقد تتعب نفسك مع هذه الابحارات الكثيرة .. والسير الحثيث نحوها .. فما عليك إلا أن تفهّم الظروف التي تستدعي وجود كثير من اللغات المنوعة حتى تتماشى معها وتستطيع مجاراتها ( وقراءتها ) لتتضح لك ترجمتها الحقيقية .. ولكن تعامل بطريقة تجعلك لا تخسر آخرتك .. ولا تتنازل عن كرامتك .. وأفق من سباتك .. واجعل عقلك متيقظاً .. متنورا .. لا مُتدثرا نائما . لغتي هنا : أمضي جاهدة في دراسة لغات من حولي .. وأوطن نفسي على رؤية مالا يخطر على عقلي .. وفي طريقي وجدت القلة ممن يتمسكون بلغة الصدق .. وكم أستغربُ ممن ينظر إلى البشر بعين واحدة تُماثل فطرته وعفويته ويتساءل لما يتعبُ كثيرا ! .